«العونيون» و «الحريريون» في مواجهة حسابات «الستين»
هذه هي القوى المتحمّسة للانتخابات في موعدها
لم تصمد تسريبات الليل التي عبقت في الفضاء اللبناني مبشّرة بانفراج رئاسي يحمل الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا على صهوة حصان التفاهم مع سعد الحريري، إلا ساعات قليلة لتستقيم الأمور في نصابها الحقيقي: «في 28 أيلول جلسة وبس!» على حدّ ما عبّر أحد قياديي «تيار المستقبل» عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
عادت عقارب الرئاسة الى مربع البداية المأزومة التي تنتظر الجلسة الـ45 لانتخاب الرئيس. عادت الى المركب الذي يشتهي «التيار الوطني الحر» ركوبه لقياس قدرة القوى السياسية على مواجهة تصعيده المتدرّج، بوصفه «آخر الدواء».
في الوقت نفسه، تتقلص مساحة الفرصة الزمنية لوضع قانون انتخابي جديد يحيل «قانون الستين» الى التقاعد، وفي المقابل، تزداد مساحة بقاء القانون الحالي النافذ على قيد الحياة برغم دعوات التغيير والمشاريع التي لا تعد ولا تحصى.
ولعل أبرز العوامل المساندة لهذا السيناريو، هو رفض «تيار المستقبل» إخضاع «قانون الستين» للموت الرحيم، كونه لا يجد نفسه مضطراً لتقديم هذا التنازل اذا لم يكن مقروناً بسلّة تفاهمات شاملة قد تدفع به الى البحث بجدية في اقتراح جديد يكون بمثابة خطّ التقاء وسطيّ بينه وبين خصومه.
وما دام الوصول الى سلّة مقايضات كبيرة دونه عقبات كثيرة تحول دون ولادة قانون جديد، فإنّ إجراء الانتخابات النيابية وفق «قانون الستين»، يبقى الاحتمال المرجح.
ولكن هل ستجري الانتخابات في موعدها؟
لا يمكن لأي من القوى السياسية تقديم إجابة حاسمة بإمكان فتح صناديق الاقتراع في الربيع المقبل وفق المهل الدستورية. في المقابل، لا يمكن لأي منها أن يتجرأ بالبوح ولا في الهمس سرّاً عن رغبته في التمديد مجددا للمجلس النيابي الممدد له. إذاً ثمة مأزق كبير باعتراف الجميع، خصوصاً أنّ احتمال إجراء الانتخابات في ظل الشغور الرئاسي سيشرّع الباب أمام مشروع فوضى دستورية.
في الوقت ذاته، يمكن تلمّس حماسة أكثر من طرف لكسر طوق الشلل الآخذ في التمدد في شرايين المؤسسات الدستورية، ومنها:
– تقصّد الرئيس نبيه بري إبلاغ من يعينهم الأمر أنّ التمديد مرة ثالثة للمجلس صار من سابع المستحيلات، وذلك على قاعدة رفض «لعنة» التمديد التي تلاحق المجلس، مع أنّه يعرف جيّداً أنّ انتخاب رئيس للمجلس الجديد دونه تسوية لا تزال صعبة المنال، خصوصاً اذا لم ينجح المسيحيون في إخراج فخامة الشغور من القصر الجمهوري.
– لا يتوانى «حزب الله» عن القول جهاراً إنّه لن يلوّث يديه مرة جديدة بدماء التمديد، وهو بالتالي يتعامل مع الاستحقاق على أنه حاصل في موعده بمعزل عن مصير الرئاسة الأولى وعن مسار قانون الانتخابات.
– ثمة حماسة مكشوفة لدى تحالف «التيار الوطني الحر» و «القوات»، لحمل الطبقة السياسية الى حلبة المبارزة النيابية، حتى لو اقتضى الاحتكام لـ «قانون الستين» الظالم بنظره، لأن التفاهم العوني ـ «القواتي» سينتزع ما يأخذه منه القانون المجحف.
– تستشعر معظم القوى أن أية انتخابات ووفق أي قانون ستؤدي الى تحجيم «تيار المستقبل» الذي يعاني أزمة بنيوية سياسية وتنظيمية ومالية غير مسبوقة، فضلا عن ضغوط اقليمية قد تخرجه من الاستحقاق أقل تأثيراً مما هو عليه اليوم في المعادلة السنيّة، الأمر الذي قد يساعد على فتح باب التسوية الرئاسية.. مستقبلا.
– يسود الاعتقاد، في المقابل، في أوساط «تيار المستقبل» أنّ الخضوع لمعمودية صناديق الاقتراع لن يكون قاسياً بحق هذا الفريق، كما يظن خصومه، لا سيما اذا جرت الاستعانة بتفاهمات مناطقية أسوة بالانتخابات البلدية الأخيرة، وبمال بعض المرشحين لتمويل الحملات الانتخابية.
وبالتالي، إنّ إحناء الرأس أمام انتخابات وفق «قانون الستين»، قد يكون أقل كلفة بالنسبة للحريري من الرهان على تسوية كبيرة من شأنها أن تزيح القانون الحالي لمصلحة قانون جديد، سيكون أكثر كلفة لـ «تيار المستقبل». فهل ترفع رايات الاستسلام لصناديق الاقتراع؟