بدا جلياً من خطوة إعدام الشيخ نمر النمر أنّ السعودية تتخذ من التصعيد مساراً حاسماً في علاقتها مع إيران، ولذا لم يكن قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مفاجئاً أو مخالفاً للسياق، وإنما جاء استكمالاً منطقياً لقرار اللاعودة الذي اتخذته «مملكة النفط» حيال روابطها مع إيران.
هكذا، سقطت ورقة تين الحوار التي كان يعوّل عليها بين الدولتين لفتح باب النقاش حول مساحات العراك القائمة بينهما بالواسطة، وباتت المنطقة مفتوحة على منطق الاستنفار والردود التصعيدية على أكثر من رقعة اشتباك.
ومع ذلك لا يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية الدكتور هلال خشان أنّ مساحة التوتر بين طهران والرياض قد لا تتعدى حدود الخليج، وإنما قد تكون محصورة في نقاط محددة، لأسباب عدة تتصل بشكل رئيسي بالأوراق المحدودة التي تملكها الرياض وبإمكانها استخدامها في «حربها» مع الجمهورية الاسلامية. ويذهب الى حدّ الجزم أنّ الأخيرة لا تملك فعلياً أي ورقة مؤثرة من شأنها أن توجع الجمهورية الإسلامية أو أن تؤلمها، وبالعكس فإنه من المتوقع أن تتلقى هي الضربات إذا ما قررت طهران الردّ على التصعيد السعودي بتصعيد مماثل، وهو السيناريو المتوقع.
بالتفصيل، يرى خشان أنّ الجمهورية الاسلامية هي التي بمقدورها استخدام أوراق قوّة كثيرة موجودة في جعبتها، ومن شأنها أن ترفع منسوب التوتر، حيث من المتوقع أن تبادر إيران الى الردّ، عبر مؤيدين لها ومن دون أن تترك أي «أثر»، في كل من المنطقة الشرقية في السعودية وفي البحرين، وحتى في اليمن، حيث تحاول المملكة الترويج لانتصارات ليست موجودة على أرض الواقع، ولهذا قد تتعرض لمزيد من الضغط العسكري وسيكون مستحيلاً عليها تحقيق أي انتصار لم يحققه من قبل لا عبد الناصر ولا العثمانيين ولا غيرهم، ولا بدّ لقيادتها من الاعتراف أنها تورطت في المستنقع اليمني وسيصعب عليها الخروج منه سالمة.
من المبالغ القول إنّ طهران سبق لها أن بادرت الى القيام بتحرك جديّ في المنطقة الشرقية أو في البحرين، كما يتّهمهما خصومها، وانما كانت تركز كل اهتمامها على الملف النووي والعقوبات الاقتصادية، وقد صار بإمكانها اليوم أن تحوّل اهتمامها الى الخليج العربي، ما قد يحملها الى الردّ بطريقة أو بأخرى على «الاستفزاز» السعودي الذي قدّم لها، وعلى طبق من فضّة، كل المبررات المطلوبة للتحرّك قدماً.
برأي خشان، فإنّ إعدام الشيخ النمر هو خطأ فادح ارتكبته السعودية، لا سيما وأنه غير متهم بالقيام بأعمال ارهابية أو عسكرية وإنما يعبّر عن شريحة واسعة من الرأي العام السعودي ويعرض مطالب محقة، ولهذا كان الحكم عليه بالإعدام تصرفاً قاتلاً سوف يرتدّ حكماً على المملكة.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية أنّ تداعيات هذا التطور الإقليمي ستكون محصورة في بقعتين لا أكثر. فاليمن مشتعل بالأساس ورماد حواره لم يطفئ الجمر، والملف السوري يملأه التعقيد وقد لا تتمكن الرياض من تحقيق مبتغاها في التصعيد في ضوء التقاطع الدولي بين واشنطن وموسكو حول الحوار المرتقب، ما قد يُضعف موقع السعودية وقوة تأثيرها.
أما في لبنان، فيرى أنّه لا مصلحة لأي طرف في سلوك خيار المواجهة أو التوتير، لا سيما من جهة «حزب الله» المرتاح للوضع على هشاشته ولا حاجة لديه لتحقيق مكاسب إضافية، أقله في الوقت الراهن. إلا أنّ ذلك لا يمنع عودة الملف اللبناني الى ثلاجة التجميد والمراوحة بانتظار أن تأخذ المواجهة الإقليمية مداها قبل دخول الوسطاء على خطّ التهدئة.
بالنتيجة، يؤكد أنّ قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مفصلي ويعني أنّ عودة عقارب الساعة الى الوراء يتطلب وقتاً طويلاً، لأنّ مَن يقفل أبواب السفارات فلن يكون بوارد فتحها من جديد خلال مهلة زمنية فصيرة، وهذا القرار لا يدلّ إلا على الخوف المزمن الذي ينتاب المملكة من التغلغل الإيراني في المنطقة، ولا يؤشر إلا لمزيد من التصعيد قد تشهده المنطقة في وقت قريب.