حفلت زيارة مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون الأمنية الدولية روبيرت ستوري كاريم لبيروت بالرسائل المباشرة في أكثر من اتّجاه. فهو كان واضحاً في ما أراد شرحه بمقدار ما نال من أجوبة اوضح. فليس لدى لبنان ما يخفيه، فهو تحت المجهر الدولي. وعليه ما هي المواقف التي أبلغها الموفد والأجوبة التي تلقّاها؟
ليست المرة الأولى التي يحمل فيها موفد اميركي الى بيروت لائحة مطبوعة سلفاً بالعناوين التي يرغب بتناولها في لقاءاته مع كبار المسؤولين. فقد كان واضحاً أنّ الموفد الأميركي روبيرت ستوري كاريم كان جدّياً في محادثاته. فهو وفور جلوسه الى الطاولة وضع ورقة امامه تحوي العناوين التي يريد البحث فيها ومواقف بلاده التي عليها شرحُها ومجموعة من الأسئلة التي أراد أجوبة عنها.
كل ذلك كان طبيعياً، ولم يفاجئ المسؤولين فهو معروف بجدّيته ووضوحه وينفّذ مهمّة دقيقة كُلّف بها في توقيت دقيق وفي ظروف استثنائية تمرّ بها المنطقة وعليه أن يكون دقيقاً في ما يصدر عنه من مواقف تتناول مستجدات الأحداث الدولية والإقليمية التي تواكب الزيارة وهو يعرف انّ هناك مَن يسجّلها بدقة بالإضافة الى ما أراده من أجوبة عن أسئلة محدّدة ومفصّلة لم يرغب بأن يسحبها من ذاكرته.
وعليه، افتتح الموفد جلساته بنقل رغبة وزير الدفاع الجنرال جوزف ماتيس بتجديد الدعم للبنان عسكرياً ولوجستياً واستخبارياً.
فالتجارب اللبنانية تعزّز الشعور الأميركي بأنّ الاستثمار في المؤسسات العسكرية هو الأجدى. فالجيش اللبناني بالنسبة اليهم جيش صديق وهو عضو في الحلف الدولي المعلن على الإرهاب منذ «بيان جدة» في 11 ايلول 2014. وخاض مواجهات حدودية وداخلية مع الإرهاب بكل وجوهه استحقّ من خلالها منصب الجدارة في لائحة الجيوش الصديقة للجيش الأميركي وهو كان وما زال وسيبقى يلقى الدعم الذي تطلبه قيادته قياساً على حجم المهمات الملقاة على عاتقه.
كما أنّ التعاون مع باقي الأجهزة الأمنية والعسكرية له موقعه في الأجندة الأميركية. فالتعاون الإستخباري القائم مع مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية قائم وقد أثمر نتائج ايجابية كرّست نوعاً من الأمن الاستباقي لم يكن متوقّعاً ما تحقّق منه في عالم بات فيه الإرهاب معولماً وعابراًَ للقارات والحدود بعدما تجاوز قدرات أجهزة أمنية في دول كبيرة ومتقدّمة رغم حجم التقنيات المستخدَمة في المواجهة المفتوحة على شتى الاحتمالات.
ولذلك شدّد الموفد الأميركي على اهمية أن تقوم حكومة لبنانية قوية في لبنان تسهر على تنفيذ القرارت الدولية ولا سيما تلك ذات الصلة بالجنوب اللبناني ومهمة اليونيفيل البرية على الحدود الجنوبية والبحرية في المياه الإقليمية، مشدّداً على أهمية تطبيق ما قال به القرار 1701 ومنع تهريب او نقل ايّ اسلحة أو ممنوعات عبر المعابر البرية والبحرية والجوية. وتطرّق الى الحدود مع سوريا مشدّداً على اهمية الإمساك بها ومنع انتقال المسلحين والممنوعات بين البلدين. لافتاً الى الحجم الذي بلغه «حزب الله» نتيجة فلتان الحدود ونتيجة الدعم الإيراني اللامحدود مشيراً الى انّ أمن الجنوب والمناطق الأخرى والحدود منوط بالقوات الدولية المعزّزة والقوى النظامية اللبنانية دون ما عداها أيّاً كانت هويتها.
بعدها انتقل الموفد الأميركي الى الحديث عن الإستراتجية التي اعتمدتها إدارته في المنطقة معتبرا انها متكاملة على مستوى العالم. الى درجة باتت كل الخطوات المتخذة على كل المستويات مترابطة الى الحدود القصوى. فكل التدابير والعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على ايران ودول وكيانات وأجهزة ومؤسسات كبرى لم تطل هذه الدول والمؤسسات فحسب بل طالت فروعها واصدقاءها والمتعاونين معها من دول وحكومات ومؤسسات ولا بد من أن يكون تطبيقها متكاملاً فلا تسجّل ايّ ثغرة في مكان ما يمكن النفاذ منها.
وبعدما اشار الى المراحل المقبلة من العقوبات المشدّدة والتي سيشهد الخريف المقبل الدفعة الثانية منها، لفت الى أنها عقوبات متدرّجة تصاعدية تتكامل في ما بينها لتتحوّل في النتيجة طوقاً محكماً لا يمكن النفاذ منه. فالدور الأمني والعسكري الإيراني المتنامي في المنطقة لا يمكن القبول بتطوره وإنّ السعي قائم الى تعطيله بأيّ كلفة وعلى الدول التي تقتنع بهذه العقوبات أن تطبّقها دون تردّد أو تهاون. وكل ذلك برأيه من أجل الحدّ من حالات التوتر في المنطقة ولتعزيز مناخات الاستقرار في الدول التي تشهد أزمات نتيجة هذه التدخّلات التي لم يحل دونها ايّ رادع من قبل مؤكّداً أننا «التزمنا وما زلنا بالسعي الى الاستقرار في لبنان والمنطقة».
فالإدارة الأميركية تدرك انّ إيران استفادت من برامج تخفيف العقوبات الإقتصادية والمالية في اعقاب تفاهم 15 تموز 2015 دون أن تتراجع عن برامجها الصاروخية البالستية وغير التقليدية. وبدل أن تستثمر المليارات التي استعادتها نتيجة فكّ العقوبات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلد يعاني أزمات حادة وخانقة خصّصتها للبرامج العسكرية والدعم اللامحدود لأنصارها في العالم ولا سيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
ولذلك يعتقد الأميركيون انّ وضع حدّ لهذا التوسع الإيراني من اليوم بات امراً واجباً قبل فوات الأوان وقبل بلوغ نهاية السنة العاشرة من الاتفاقية ببلوغها العام 2025. ويمكن عندها أن تصل الأمور الى مرحلة يصعب بعدها لجمها أو وضع حدّ لها. فالتجربة الكورية الشمالية إحدى الحالات الشبيهة التي لم تلتزم بما فرض عليها من عقوبات الى أن بلغت مرحلة بات من الصعب أن تتراجع عنها. وهو حال دور الإيرانيّين في اليمن بعدما باتت صواريخهم تستهدف المدن السعودية والموانئ الجوّية والبرّية وصولاً الى خطوط إمداد النفط والغاز الدولية في باب المندب والتهديدات اليومية في مضيق هرمز.
وفي جانب آخر من اللقاء وجّه الموفد الأميركي والوفد المرافق سلسلة من الأسئلة ردّ عليها المسؤولون بكل دقة ولم تخرج الأجوبة على كل سؤال عمّا هو معلن منها. فالمواقف اللبنانية من الاعتداءآت الإسرائيلية المتمادية خارج كل المواثيق والعهود الدولية نهائية. كما بالنسبة الى القرارات الدولية الخاصة بلبنان فهي واضحة وموثّقة ولا تحتاج الى ايّ تأكيد وباتت من الثوابت التي لا نقاش فيها. وجاء تأكيد رئيس الجمهورية على إستعداده للدعوة الى وضع الإستراتيجية الدفاعية على رأس اولوياته بعد تشكيل الحكومة ليؤكد المؤكد. وخصوصاً أنه سيكون لها اطار جديد من الحوار والذي قد يكون في شكله مختلفاً عن طاولات الحوار السابقة دون المَسّ بالمضمون والهدف. ذلك أنّ هذا الأمر سبق للرئيس أن تعهّد به وسيفي بالعهد والوعد.