IMLebanon

هذه هي مصادرُ القلق الديبلوماسي على لبنان

استخفّ البعضُ بتحذيراتِ السفير البريطاني طوم فليتشر قبل أسابيع من المخاطر التي تواجه اللبنانيين إذا ما استمرّوا في مقاربة ملفاتهم بالطريقة القائمة، الى أن رفع السفيرُ الأميركي ديفيد هيل من لهجته بعد لقائه وزير الداخلية نهاد المشنوق الأسبوعَ الماضي، مديناً استمرار تورّط “حزب الله” في سوريا. فما الذي يُقرأ في خلفيات هذه المواقف؟

لم يُخفِ مرجعٌ سياسي واكب تحرّكات السفراء الغربيين خصوصاً حركة السفير الأميركي في الساعات القليلة الماضية ما تراكم عنده من مخاوف على مستقبل الوضع في لبنان نتيجة إصرار البعض على الزجّ به في أتون المحاور التي تتحكّم بمجريات الحرب السورية وانعكاساتها على دول الجوار السوري ولبنان.

وقال المرجعُ إنّ المخاوف التي عبّر عنها الديبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون ليست سرّاً. فالمراجع الأمنية تتلقّى يومياً كماً من المعلومات والتقارير التي تتحدث عن سعيٍ لتوسيع مساحة المواجهة في سوريا في اتجاه لبنان ودول أخرى بما يخدم طرفاً سورياً دون غيره.

فحدّة المعارك والهجمات التي تخوضها المعارضة السورية والنظام معاً للسيطرة على مناطق استراتيجية في جنوب البلاد وشمالها، بهدف كسر التوازنات القائمة، شكّلت أفضل تعبير عن حجم ونوعية الأسلحة التدميرية التي باتت في تصرّف طرفَي الصراع، وأكدت صعوبة المساعي المبذولة لترتيب وقفِ نارٍ مِن هنا أو هناك، والسعي لمعادلاتٍ تفتح منفذاً الى إمكان إحياء “مسار جنيف” من جهة أو تكرار تجربة “موسكو 1” من جهة ثانية.

ومردّ هذه المراوحة التي لا تبشّر سوى بمزيد من العمليات العسكرية، الى أنّ اطراف الصراع على الساحة السورية ذهبوا بعيداً في فتح جبهات إضافية امتدّت من اليمن والبحرين الى العراق وسوريا حتى باتت كلها أوراقاً في ملف واحد يمكن أن تختصره المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وبينها دول (5+1) وما تركته من تداعيات على العلاقات بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وما بينها ودول الخليج العربي من جهة أخرى.

وبالإستناد الى الأجواء التصعيدية التي ميّزت المرحلة الراهنة ارتفع منسوب المخاوف في لبنان الذي يمكن أن يتلقّى مزيداً من ردات الفعل نتيجة هذا الصراع الكبير والتي كان يمكن تجنّبها لولا استمرار تورط “حزب الله” في سوريا وهو ما يستدرج مخاطر إضافية على البلاد.

من هنا تأتي القراءاتُ الديبلوماسية السلبية للوضع في لبنان، فالعالم الغربي الذي تأخر في دعم الجيش اللبناني وتعزيز قدراته القتالية كان يعتقد أنّ التفاهمات الدولية وضعت لبنان خارج الإصطفاف القائم في المنطقة، لكنّ استمرار استخدام الساحة اللبنانية في الأزمة السورية أعاد حجم المخاطر اليها كما ولو أنها ساحة رديفة لها، وهي الأكثر إيلاماً من بين ساحات دول الجوار. فالأردن وتركيا تصرّفا بما يضمن حدودهما. فيما العراق غارق في حروبه الداخلية وبات ساحة رديفة للساحة السورية بعدما أُلغيت الحدود بينهما لمئات الكيلومترات.

وعلى هذه الخلفيات، ارتفعت التحذيرات الدولية خوفاً على الساحة اللبنانية وتمّ تسريع برامج تسليح الجيش من مختلف مصادره عن طريق العقود التجارية أو الهبات السعودية والأميركية لتوفير ضمانات إضافية تبعد شبح القتال منها. لكنّ ذلك في رأي هذه الدول غيرُ كافٍ ما لم ترافقه خطواتٌ سياسية كبرى.

ولذلك قاد الجميع تحرّكاً أحيا العمل الحكومي، فيما انطلقت موجاتُ الحوار الداخلي لعلّها تُبعد المخاوف المتأتِّية من الساحة السورية. لكنّ ما تحقق في رأيهم غيرُ كافٍ وبالتالي بات ترميمُ المؤسسات وانتخابُ رئيس للجمهورية مطلَباً مُلِحاً لإعادة تكوين السلطة وتوفير الحدّ الأدنى من الإستقرار المطلوب للحفاظ على الكيان ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

وطالما أنّ هذه الخطوات لم تبدأ بسدّ الشغور في قصر بعبدا، ستبقى الساحة اللبنانية مكاناً جذاباً للفتنة. فالتوازنات الداخلية إختلت كثيراً وانعكس ذلك مواجهاتٍ داخلية خطيرة عبّر عن بعضها الهجومُ المنظم من أهل البيت على قائد الجيش والمؤسسة العسكرية في وقت تخوض فيه المؤسسة أخطرَ المواجهات. بالإضافة الى مشاريع حروب داخلية صغيرة يخوضها البعض للفوز بما أمكن من أعراف وسوابق في غياب رأس الدولة.

هذا علماً أنّ إعادة التوازن يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يُعيد بناءَ المؤسسات مجدَّداً لتنتظم الدولة وتَوَحُّد قواها في مواجهة ما يخطَط للبنان والمنطقة.