سابقة جديدة في مسيرة لبنان الطوائف والشعوب المتعايشة على مضض تقريباً، كثيراً ما انفجر بصيغة ثورة حمراء أو حرب “أخويَّة” تمتدُّ بين أشهر ستة وخمس عشرة سنة.
السابقة عنوانها الاستحقاق الرئاسي. والعالم بأسره تقريباً أخذ علماً بهذه السابقة، من غير أن يجد مجالاً أو منفذاً لأية مساعدة، أو وساطة.
فالقصّة الرئاسيَّة، بل قصة لبنان النظام والتركيبة، والطوائف الكبرى الثلاث، وباقي الطوائف التي لا تختلف بوضعها عن وضع الولد القاصر مع خالته، هذه القصة أصبحت على ثلاثة طوق مضروبة بثلاثة ثلاث مرات…
الجلسة النيابية المرحّلة، والمخصّصة مبدئيّاً لانتخاب رئيس للجمهورية يملأ الفراغ الذي مضى على وجوده في ضيافتنا ما يقارب العشرين شهراً، هذه الجلسة تحمل الرقم 36، وهو رقم قياسي في تاريخ الجلسات النيابيّة، وتاريخ الانتخابات الرئاسيَّة منذ صار هذا اللبنان مستقلاً في تشرين الثاني من العام 1943.
ومَنْ يدري، فقد تكون مرشَّحة بدورها لتسليم “الأمانة” الى جلسة أخرى، تتسلّم منها الأمانة جلسات على حيلها.
بالطبع والتأكيد أن هذا الانجاز، أو الإعجاز، يحصل في لبنان السيد الحر المستقل المتمتع بنظام ديموقراطي برلماني، وعضو في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيَّة، ومشارك في صياغة شرعة حقوق الإنسان.
وهو كذلك شبه متفرّد في إبداع التبولة والكبَّة النية والشيشبرك، على دزينة ونصف دزينة من الشعوب المتنافرة، المتباغضة، المتحينة فرص الانقضاض على النظام ومحتكري كراسيه وخزناته، والى آخر ما لديه من كل ما لذَّ وطاب.
إن لم تكن في العالم جوائز مخصَّصة لمثل هذه الانجازات والعطاءات والإبداعات، فمن واجب حملة الهويَّة اللبنانية، والمتزعمين الأبرار الأوفياء لهذا اللبنان المعتَّر حتى العظم والنخاع الشوكي، بذل كل الجهود لإحداث مثل هذه الجائزة… تكريماً للوطن الرسالة وقطعة السما، ودزينة الاوصاف والأَلقاب…
أنصافاً للحقيقة، وانسجاماً مع واقع الحال، لا بدَّ من الاعتراف أن هؤلاء اللبنانيّين لا يستحقّون هذا اللبنان. بكل فئاته وانتماءاتهم ومجموعاتهم وعنتراتهم وعنطزاتهم، وأنانياتهم، وشبقهم المستطير الى الكراسي والمناصب والمسالب.
لا، أبداً بتاتاً مطلقاً. فهذا اللبنان ليس لهؤلاء اللبنانيّين. فهم لا يليقون به. وهو فضفاض عليهم. لذا تراهم في محنه وأزماته ينفكّون عنه مسرعين صوب الهجرة، والبحث عن “وطن” آخر، أو ملجأ آخر في دنيا الانتشار، فيلزقون عندئذ حيث يرتزقون، وتكون هذه المحطة، أو هذه اللزقة، هي الوطن الذي يحتاجون اليه.
هكذا يبرهنون، على الأقل، أنهم ليسوا مواطنين بل مرتزقة.