بين تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بالحوار الجاري برعايته وإدارته بين رؤساء الكتل النيابية، ودعوة الامين العام لحزب الله الجميع الى «الحوار الجدي الذي لا بديل عنه»، مؤكداً أن لا جدوى من انتظار مبادرات خارجية لن تأتي، بدأ الحوار في ساحة النجمة يسلك، ولو ببطء، طريقه الى إقرار جدول اعماله بدءاً بموضوع رئاسة الجمهورية.
يرى مراقبون انّ السيّد نصرالله توّج جملة من الحقائق من خلال المواقف التي أعلنها في ذكرى عاشوراء السبت الماضي من انّ «لبنان خارج اهتمامات الدول، ومتروك اليوم لزعمائه ولأحزابه الذين يجب ان يتحملوا المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة».
وهذه الحقائق كان بري السبّاق الى اكتشافها منذ الايام الاولى للاستحقاق الرئاسي حيث أكد في مناسبات عدة انّ الفرصة سانحة امام اللبنانيين لانتخاب رئيس جمهورية جديد بمعزل عن ايّ تدخّل خارجي لأنّ العواصم الاقليمية والدولية لا تعير لبنان واستحقاقاته الدستورية وشؤونه وقضاياه الأخرى السياسية وغير السياسية اهتماماً، لأنها منشغلة بشؤونها وليست في وارد التدخل في شؤون لبنان كعادتها.
وهذه الحقيقة اكتشفها أيضاً رئيس الحكومة تمام سلام أثناء زيارته الأخيرة لنيويورك مشاركاً في اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة، ولدى عودته صارحَ المتحاورين وقبلهم مجلس الوزراء مؤكداً أنه عاد من واشنطن «مُحبطاً» لأنه لمسَ انّ المجتمع الدولي لا يعير أزمة لبنان أيّ اهتمام.
وإذ استتبع نصرالله تأكيده هذه الحقيقة بدعوة الجميع الى «الحوار الجدي الذي لا بديل عنه»، فإنّ سياسيين يعتقدون انّ فرصة انتخاب «رئيس صنع في لبنان» بدأت تلوح في الافق مجدداً وينبغي عدم اهدارها مثلما أُهدرت فرص لاحَت سابقاً.
ويلاحظ هؤلاء السياسيون أنّ الاهتمامات بدأت منذ الامس تَنصَبّ على الحوار الذي بدأ يكتسب جدية اكثر لأنّ المتحاورين يمثلون كل ألوان الطيف السياسي والطائفي والمذهبي في لبنان، وفي إمكانهم إذا حزموا أمرهم أن يتّفقوا في وقت ليس ببعيد على حلول للأزمة بدءاً من الاتفاق على رئيس جمهورية جديد بغضّ النظر عن الترشيحات المطروحة لتوَلّي سدة الرئاسة الاولى في البلاد من دون انتظار «حوار إيراني – سعودي» او «مبادرة اميركية او غربية»، «لأنّ الامور تزداد تعقيداً في المنطقة»، على حدّ قول السيّد نصرالله.
ويرى سياسيون مشاركون في الحوار أنه في اللحظة السياسية المناسبة سيتمكن من الاتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في اطار حلّ للأزمة اللبنانية الذي يفترض انّ عناصره تتجسّد في بنود جدول أعمال المتحاورين الذين سيكونون أمام تحدي التفلّت من التأثيرات الخارجية على رغم هشاشتها في هذه المرحلة.
ويقول أحد اقطاب طاولة الحوار انّ المتحاورين حققوا في جلسة الامس اوّل إنجاز على طريق انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، بحيث انّ برّي، مدير الحوار وراعيه، قدّم لهم جدول مقارنة لمواصفات الرئيس العتيد في ضوء المواصفات المكتوبة التي كانوا قد رفعوها اليه في الجلستين ما قبل الاخيرة.
ويكشف هذا القطب انّ المواصفات الواجب توافرها بالرئيس العتيد والتي لاقت إجماع المتحاورين حتى الآن هي الآتية:
اولاً- أن تكون له الحيثية في بيئته والقبول لدى الطرف الآخر.
ثانياً- احترام الدستور وتطبيق «اتفاق الطائف» بلا استنساب.
ثالثاً- أن يكون محاوراً ومنفتحاً وقادراً على تدوير الزوايا.
رابعاً- ان لا يكون مُستتبعاً للخارج.
خامساً- ان يكون مؤيداً وداعماً للمقاومة ضد اسرائيل.
ويضيف القطب انّ المتحاورين شطبوا من جدول المقارنة بنداً يقول: «ان لا يكون الرئيس مؤيّداً من رعاة اسرائيل» واستُعيض عنه ببند «ان لا يكون مُستتبعاً للخارج».
وقد تحفّظ على بند المقاومة كلّ من الرئيس فؤاد السنيورة ممثلاً بالنائب عاطف مجدلاني والوزير بطرس حرب ممثلاً بجواد بولس، وكذلك تحفّظ الوزير ميشال فرعون ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. بحيث انّ هؤلاء لم يتحفظوا على مبدأ المقاومة ضد اسرائيل وانما اقترحوا ان تكون في اطار الاستراتيجية الدفاعية وحق الدولة الحصري في اتخاذ قرارات الحرب والسلم.
في حين أيّد بقية اركان طاولة الحوار هذا البند بلا ايّ تحفظ، وان كان ممثل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط النائب غازي العريضي تحدث عن تدوير الزوايا حول الموقف من المقاومة التي لا يعارضها أحد من حيث المبدأ.
ويشير القطب نفسه الى انّ المتحاورين أجّلوا البَت في بندين من مواصفات الرئيس العتيد الى الجلسة المقررة الثلثاء المقبل، وهما:
اولاً- أن ينأى الرئيس الجديد بنفسه عن النزاعات العربية، وهذا ما كان اقترحه الرئيس نجيب ميقاتي وأيّده الوزير بطرس حرب ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في إطار مقترحاتهم المواصفات الرئاسية.
ثانياً- أن ينتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر وليس في مجلس النواب، وهو اقتراح رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون.
في أيّ حال يعتقد القطب الحواري انّ ما تحقّق في جلسة الأمس يُبنى عليه، لتحقيق انتقال سَلس الى البحث في بقية بنود جدول اعمال الحوار، ولا سيما منها بند قانون الانتخابات النيابية الذي لا يقلّ أهمية عن انتخاب رئيس الجمهورية لأنه يعوّل عليه إنتاج طبقة سياسية جديدة في البلاد تليق بالبلاد في مواجهة ما تشهده المنطقة من أحداث ونزاعات لا بد ان تُنتج متغيّرات ينبغي ان يكون لبنان قادراً على التكيّف معها للحفاظ على كيانه ومستقبله.