للاسبوع الثاني على التوالي غابت الحكومة عن موعد اجتماعها الدوري،مع استمرار اختلاف مكوناتها على آلية العمل، بانتظار ايجاد مخرج للمأزق المعقد، حيث الواضح ان الاتصالات المكثفة بين السراي ومراكز القرار السياسي الاخرحققت خرقا جزئياعلى ان يتبلور الاخراج بشكل نهائي خلال الساعات القادمة، بعدما اتفق على الاطار العام.
فمحاولات إخراج الحكومة من مأزقها، مع قرار رئيسها بتعليق الجلسات المتعثرة اصلا، مع اصطدام عملها بآلية اتخاذ القرار فيها، ما زالت تواجه صعوبات كبيرة وضعت الجميع امام خيارين بحسب مصادر مطلعة: إما استمرار «الاعتكاف» الى حين التفاهم على آلية جديدة وفق المادة 65، الامر المستبعد ، في ظل رفض بكركي القاطع للتطبيع مع الفراغ الرئاسي، والذي ترجمته في السياسة جبهة «الجميل-سليمان» الوزارية بثلثها الضامن، او عودة القديم الى قدمه على قاعدة تعويم الآلية القديمة مع ضمانات بعدم التعطيل، الذي تحول دونه «الاهتزازات» والتوازنات الجديدة التي ارثتها الجبهة الجديدة،والتي طالت بالمداورة الثامن والرابع عشر من آذار عبر «الوزير الملك» عبد المطلب حناوي والوزير ميشال فرعون، وما افرزته من اصطفاف جديد داخل الحكومة، نتيجة محاولة تكتل الاصلاح والتغيير ابرام «صفقة الآلية» على حساب المستقلين في حلف رباعي جديد،يضم عمليا عون المسيحي، الحريري السني والثنائي الشيعي، اضافة الى جنبلاط الدرزي.
وفيما غادر الرئيس الحريري الى الرياض، بعد استنفاد وساطته، بحسب مقربين منه، وانجازه لاهداف زيارته، من تأكيد اهمية الحوار الداخلي وتثبيت دعائمه، مرورا بالتشديد على ضرورة تحصين استقرار الساحة اللبنانية في مواجهة الخطر التكفيري، وصولا الى تجديد التمسك بسياسة الاعتدال واولية انتخاب رئيس جمهورية الذي يحسم الجدل حول الكثير من الازمات ويعيد اكتمال عقد السلطة، استأنفت الاتصالات بيروتيا، حيث برزت جملة معطيات على هذا الصعيد وتعدّدها المصادر كالآتي:
– تأكيد اللقاء التشاوري الوزاري الحرص على استمرار عمل الحكومة وعدم عرقلته، ودعم مساعي الرئيس سلام من أجل بيئة انتاجية في جلسات الحكومة.
– ابلاغ الوزير ميشال فرعون الموجود في البحرين المعنيين بانه غير معني بأي تحرك قد يؤدي الى شل عمل الحكومة، وكذلك وزير الاتصالات بطرس حرب.
– تمني الرئيس بري على الرئيس سلام الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في أسرع وقت لتحريك عمل الدولة وفقاً للمادة 65 من الدستور.
– اعتبار بكركي ان الاتفاق على آلية سهلة لعمل الحكومة، سينسي الجميع انتخاب رئيس للجمهورية وقد يستمر الفراغ سنوات،بحجة أن الأمور «ماشية»، وهو ما ترفضه الكنيسة بشقيها الداخلي والخارجي.
-اصرار تحالف «الجميل-عون» على «استخدام» الآلية كورقة ضغط في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بعد نجاحه في كسر الاصطفاف الموجود جزئيا . وفي هذا الاطار كشفت مصادر مطلعة على كواليس «الطبخة الحكومية» ان اتفاق «جنتلمان» عقد غداة تاسيسها بين فرقائها يقضي باعتبارها بمثابة حكومة تصريف اعمال، للضغط باتجاه تسريع انتخاب رئيس للجمهورية.
– فتح خطوط التواصل المباشر مع كل من الرئيسين أمين الجميل وميشال سليمان، لإيجاد ضمانات تكفل ايجاد مخرج يوفّق بين شكوى الرئيس سلام من الآلية،والحفاظ في الوقت نفسه على الطابع الانتقالي للحكومة.
مصادر حكومية مقربة من «بيك المصيطبة»، اكدت ان حرص الاخيرعلى الوفاق واشراك جميع المكونات الحكومية في القرار في ظل غياب الرئيس، لا يعطي لاي طرف الحق بان يوظف الامر لحساباته الخاصةويحوله الى حق مكتسب في حرب تصفية الحسابات السياسية بعيدا من المصلحة العامة، موضحة لن تحول الوزير الى رئيس جمهورية امر مرفوض،لاطاحته بدور رئيس الحكومة وصلاحياته، مشيرة الى ان الدستور حدد صلاحيات مجلس الوزراء، وما دامت البلاد دخلت في مرحلة الشغور الرئاسي فان جل ما يجب فعله هو الابقاء على صلاحيات مجلس الوزراء كما هي وعدم تعطيلها، واعتماد سياسة الاجماع فقط في القرارات التي تستوجب الصلاحيات الرئاسية.
من جهتها كشفت المصادر المتابعة، بروز ملامح حلحلة للأزمة بعد المرونة التي انتجتها اللقاءات والاتصالات التي أجراها كلٌّ من سلام والحريري، والتي توصلت الى تسوية وسط تقوم على العودة الى الآلية السابقة،لكن مع تثبيت مبدأ عدم تعطيل القرارات الحكومية، بمعنى ان القرار يعود الى الكتل ولا ينفرد به الوزير، وفي حال نشوء خلافات حول القرارات يجري تذليلها مع زعماء الكتل سعياً الى توفير عامل الإجماع حولها، مبدية ارتياحها الى ان الاتصالات بينت عدم وجود مشكلة بالنسبة الى دعم استمرار الحكومة وعدم استعداد اي فريق للمضي في موقف يمكن ان يعرض الواقع الحكومي للخطر، وهو الأمر الذي اتاح الوصول الى مخرج «حفظ ماء الوجه للجميع»، والذي سيترجم بدعوة لجلسة لمجلس الوزراء تُخصّص للبحث في موضوع الآلية حصراً على ان يبدأ بعدها الاعداد لجلسات عادية.
ايا تكن المعطيات المعلنة وغير المعلنة لما وصلت اليه الاتصالات المكوكية لمخاض ولادة الآلية الجديدة،فقد تقاطعت الاجواء على انه طالما كان التعطيل والعرقلة والمشاكسة هي سيدة الموقف، فلا جدوى من عقد جلسات غير منتجة، على ما قال رئيس مجلس الوزراء تمام سلام امام وفد نقابة الصحافة،مظهرا عمق المشكلة،«فالتوافق لا يعني بالضرورة الاجماع» بحسب وصفة الرئيس سلام.