غريب أمر «اللقاء التشاوري»، فالمفترض أنه هو الذي حَبِلَ بالوزير السنّي السادس. ولكنْ، جاء المولود من أمٍّ أخرى مجهولة الهوية «تقريباً»، وعلى أيدي أكثر من قابلة قانونية و»غير قانونية». وبالتأكيد، لن يكون «التشاوري» «أمّ الصبي»، ولن يكون له شَرف الإشراف عليه والرعاية في الحكومة العتيدة. هو اكتفى بتسهيل «تلقيح» الحكومة حتى تولد، لا أكثر ولا أقل. نَفّذ أعضاؤه المهمّة المطلوبة منهم… ومشوا. و»ما حدا أحسن من حدا» عندما يطلب «حزب الله» «خدمة» من حلفائه في 8 آذار!
يبدو التَجمّع الظرفي السنّي، الذي ضمّ نواباً ينتمون إلى كتل مختلفة، والذي أطلق على نفسه تسمية «اللقاء التشاوري»، على وشك الانفراط. فأعضاؤه الذين ظهروا وكأنهم منذورون لقضية واحدة هي تأمين حسن تمثيل الطائفة السنّية، وأعلنوا أن لا طموحات شخصية تقف وراء أيّ منهم، تنازَعوا في الأيام الأخيرة بمرارة، لا من أجل تسمية وزير منهم، كما أصَرّوا دائماً، بل من أجل الاتفاق على اسم «وسطي» يمثِّلهم جميعاً.
المثير هو أنّ كل عضو في «التشاوري» تَمسَّك باسم معيّن، ولم يلتقِ اثنان على التسمية. وربما يعود ذلك إلى رغبة كل منهم في أن يدخل الحكومة، من خلال وكيلٍ عنه. ولكن أيضاً، ربما يكون السبب هو أنّ بعض الكتل التي ينتمي إليها هؤلاء هي التي تتنافس لتحظى بمقعد إضافي في الحكومة. ولكن، على الأرجح، هذا التشتّت هو الذي سَهّل إمرار تسمية جواد عدرا في اعتباره المَخرج الأنسَب للجميع.
وفي أي حال، يعرف النواب الـ6 أنّ الوزير السنّي الآتي لن يمثّل كتلة تسمّى «اللقاء التشاوري»، وأنه سيكون محسوباً مباشرة على «الثنائي الشيعي» الذي كان وراء تزكيته. وصحيح أنّ أعضاء «التشاوري» تسابقوا على تسويق الأسماء، لكنّ الكلمة الأقوى أو «الكلمة السرّ» كان معروفاً أنها تلك الآتية من النائب قاسم هاشم، عضو كتلة بري.
فهو سارَع إلى تسمية عدرا الذي يحظى بدعم رئيس المجلس و»حزب الله»، ولا يَستفزّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ومن الممكن أن يتكفّل «الحزب» بإبلاغ أعضاء «اللقاء» الآخرين هذا القرار، في اعتباره «الأنسَب للجميع والأقل استفزازاً».
في أي حال، الوزير السنّي الذي استهلك وحده نحو شهرين من التعطيل، لن تكون له أهمية تُذكَر لجهة موقعه داخل الحكومة، خصوصاً أنه سيكون وزير دولة. لكنّ دوره الحقيقي هو منع حيازة عون الثلث المعطّل، ومنع حيازة الحريري كل التمثيل السنّي (معه ميقاتي بوزير سنّي، والصفدي بوزيرة أورثوذكسية). والمهمّ هو: أين سيصطفّ هذا الوزير السنّي في اللحظات الحاسمة؟
واقعياً، هو سيكون من حصة الثنائي الشيعي. وسيكون أكثر وضوحاً في خياراته، ولن يكون مضطراً إلى التمويه كما فعل «الوزير الملك» الذي أسقطَ الحكومة الحريرية السابقة. ومع انتهاء مهمّة التسويق للوزير السنّي، من 8 آذار، ثمّة مَن يسأل: والآن، هذا «اللقاء التشاوري» إلى أين؟
الأرجح أنّ الأعضاء الـ6 سيعودون إلى المكان الذي جاؤوا منه. فقد أدّى كلّ منهم قِسطَه للعلى، بناء على طلب «حزب الله». وهو سيعود إلى قواعده سالماً بناء على طلبه أيضاً. فرؤساء الكتل التي جاء منها هؤلاء الـ6 لا يرتاحون إلى إفراغ كُتَلهم النيابية من التمثيل السنّي. كما أنهم لا يستسيغون خَلق كتلة سنّية مستقلة لها كيانها وحضورها ومطالبها.
فلا أحد يضمن أن يصمد «التشاوري» في خياراته الحالية، وهي قد تتبدّل مع تبدّل الظروف. وبعض أركان «اللقاء» معروف بعلاقاته الجيّدة مع الحريري والمحور العربي الداعم له. وهذه العلاقات يمكن أن تتقدَّم إذا كان في كتلة نيابية لها استقلاليتها، ولو ضمن خط 8 آذار.
لذلك، على الأرجح، سيتفكّك «اللقاء التشاوري»، خصوصاً أن لا استحقاقات دستورية في المدى المنظور يمكن أن تفرض الحاجة إلى تعويمه. وسيتخلّى عنه صانعوه… غير مأسوف على شبابه!
الناجي السنّي الوحيد، من داخل 8 آذار، هو النائب أسامة سعد الذي لم يدخل في اللعبة، أو لم يجرِ إدخاله فيها. وأساساً هو لم يَستسِغ في أيّ يوم التجمعات الطائفية أو المذهبية، بل التحركات ذات الطابع المدني والاجتماعي. وفي أي حال، هو في هذا الموقف نجح في تَجنّب استفزاز الحريرية في عقر دارها الأساسي، صيدا. ولكن، قد يكون له دوره في محطات مقبلة ترتدي طابعاً آخر.
وفي المحصّلة، يجدر السؤال: هل كان جائزاً أن يدفع البلد أكلاف التعطيل لمدّة شهرين، من أجل وزير دولة، بعد تعطيل 5 أشهر من أجل نزاعات أخرى على حصص أخرى؟
لقد خسر البلد عشرات الملايين، بل مئات الملايين من الدولارات نتيجة المخاوف التي سادت في أوساط الاقتصاديين وأصحاب الرساميل وعامّة المواطنين من كارثة اقتصادية ومالية ونقدية وشيكة، ما أعاقَ الحركة وتسبّب في ازدياد الشلل وتباطؤ النمو إلى حدود قاتلة، إضافة إلى تأخير كل فرَص النمو التي نَصّت عليها توصيات «سيدر».
فمَن يتحمّل العواقب؟ هل القوى السياسية التي تمادت في التعطيل و»الدَلَع» قادرة على تعويض الخسائر؟ وفي عبارة أخرى، مَن سيتحمّل المسؤولية عن تأليف حكومة هي نسخة طبق الأصل عن الحكومات السابقة التي بُنيت كلها على المحاصصات وتقاسم المغانم، بَدل التحلّي بالمسؤولية الوطنية وتشكيل الحكومة الإنقاذية المنشودة؟
فالحكومة المقبلة – كما هو واضح- ستمضي في تكريس اندفاع البلد في المسار الانحداري، ما دامت تتجاهل مقتضيات الإصلاح والشفافية والتصدّي للفساد التي يُمليها عليها الواجب الوطني ويشترطها المجتمع الدولي، وهو عبَّر عنها في مؤتمرات الدعم والمساعدات الموعودة، منذ مؤتمر «باريس1 « إلى مؤتمر «سيدر1».
فهل مِن أحدٍ كان مستعدّاً للتصعيد والتشبّث بتأليف الحكومة على أساس برنامج إصلاحي لتجنيب البلد كارثة آتية، كما صَعَّد الجميع وتشبّثوا بالمطالب وعطّلوا الدولة من أجل مكاسب طائفية أو حزبية؟ طبعاً لا… وفي أي حال، فات القطار مرّة أخرى!