Site icon IMLebanon

سيطروا على كتلة الأجور قبل انفجار الدين العام

مع سلوك سلسلة الرتب والرواتب طريقها إلى التنفيذ، تتجه الأنظار إلى مشروع موازنة العام 2017 من ناحية إحتمال إحتوائها على إصلاحات تلجم تضخمّ الدين العام الذي تخطّى الـ 77 مليار دولار أميركي حتى تاريخه. هذا الأمر يفرض النظر إلى كتلة الأجور بإعتبارها الباب الأول في الإنفاق العام.

تتضمّن تكلفة المخصصات والرواتب وملحقاتها، بحسب وزارة المال، كل من المدفوعات التالية:

(1) الرواتب والأجور وملحقاتها (66% من إجمالي التكلفة خلال العام 2015).

(2) معاشات التقاعد (24%).

(3) تحويلات إلى مؤسسات عامة بهدف تغطية الرواتب (6%). (4) تعويضات نهاية الخدمة (4%).

واقع أليم

التقارير المالية للدولة اللبنانية التي تنفرد بنشرها وزارة المال على موقعها الإلكتروني، تُظهر أن كتلة الأجور في القطاع العام أصبحت خطرًا كبيرًا على المالية العامّة، حيث تُشير الأرقام الى أن هذه الكتلة إرتفعت من 3483 مليار ليرة لبنانية في العام 2007 (أي 41% من إجمالي الإيرادات) إلى 7284 مليار ليرة لبنانية في العام 2016 (49% من إجمالي الإيرادات). بمعنى أخر تضاعفت كتلة الأجور في القطاع العام خلال ثمانية أعوام!

لكن الأصعب في الأمر أن كتلة الأجور في القطاع العام تُشكّل أكثر من ثلث إنفاق الدوّلة (35% في العام 2015، 32% في العام 2016، و40% في الشهرين الأولين من العام 2017) ونصف مدخول الدولة (50% من إجمالي الإيرادات) وما يوازي الـ 10% من الناتج المحلّي الإجمالي.

هذه الأرقام تُشكّل فضيحة، لأن الإقتصاد الفرنسي المُتطوّر والصلب ذات الصبغة الإجتماعية لا تُشكّل فيه كتلة الأجور أكثر من 22.7% من إجمالي الإنفاق و13% من الناتج المحلّي الإجمالي. فكيف للبنان الذي تُشكّل فيه تحاويل المُغتربين 23% من الناتج المحلّي الإجمالي (أي أنه إقتصاد شبه ريعي)، أن يسمح لنفسه بدفع أكثر من ثلث إنفاقه ونصف مدخوله على كتلة الأجور.

إحتمالان لا ثالث لهما

أولًا – هناك قلّة معرفة من قبل السلطة بالتداعيات السلبية للتوظيف العشوائي وهذا يُشكل مُشكلة كبيرة من ناحية أنه من المفروض أن تتكوّن السلطة من النخبة.

ثانيًا – هناك تواطؤ واضح من قبل بعض أصحاب القرار الذين يستخدمون التوظيف العشوائي لأسباب إنتخابية بحتّة وهذا الأمر كارثي.

وفي الحالتين، هناك إنتفاخ غير مُبرّر في كتلة الأجور مع إقتصاد تعيس لن يضمن إستمرارية قدرة الدولة على دفع الأجور.

فمداخيل الدولة بحسب النظرية الإقتصادية تتألف بالدرجة الأولى من الضرائب على النشاط الإقتصادي، وفي غياب الإستثمارات لا نعلم كيف يُمكن للماكينة الإقتصادية الإستمرار؟

اليوم تقوم السلطة بإصدار سندات خزينة لسدّ حاجاتها الإنفاقية وعلى رأسها كتلة الأجور. وبالتالي يتحوّل عبء كتلة الأجور إلى دين عام يتحمّله الشعب اللبناني لدفع أجور 250 ألف موظف في القطاع العام (هذا الأمر لا يُلغي أحقية الموظفين بسلسلة الرتب والرواتب).

يرتفع الدين العام بفعل عاملين لا ثالث لهما : الإنفاق العام وخدمة الدين العام. وإرتفاع الإنفاق العام – في غياب النمو الإقتصادي – يرفع الدين العام الذي يزيد بدوره خدمة الدين العام لتدخل معه المالية العامة في دوّامة الإنتحار.

تنصّ النظرية الإقتصادية على أن دور الدوّلة في الإقتصاد هو دور مُنظّم، مُشرّع، مراقب وموزّع للثروات. وتناست السلطة أن الدولّة لا تُعتبر لاعبا إقتصاديا في النظرية الإقتصادية أي أنه من المفروض ألاّ تقوم بالإنتاج (كهرباء، إتصالات…) بل أن تعمد إلى دعم الماكينة الإنتاجية التي هي «قطاع خاص» بالدرجة الأولى. وبدل أن تعمدّ السلطة إلى تقوية القطاع الخاص ليكون قادرًا على إستيعاب اليد العاملة اللبنانية، عمدت إلى منافسته لتحتلّ اليوم المرتبة الأولى في عدد العمّال وتكون ربّ العمل الأول في لبنان.

حلول علمية

اليدّ العاملة هي أحد العوامل الإنتاجية بحسب معادلة غوب-دوغلاس، وبالتالي، هناك أهمّية قصوى لهذه اليد العاملة في النظرية الإقتصادية. الإشكالية التي تظهر في حالة لبنان تأتي من أن اليد العاملة في القطاع العام هي يدّ عاملة غير فعّالة في الماكينة الإقتصادية (هناك إستثناءات)، ويكفي النظر إلى بعض خدمات الدوّلة (كهرباء، نفايات…) للتحقّق من هذا الأمر. وبالتالي لا يُمكن إعتبار كل كلفة اليد العاملة في القطاع العام جزءًا من العوامل الإنتاجية وهي بالتالي إنفاق غير مُجدّي.

لذا، يتوجّب على الدوّلة وضع خطّة لتثبيت كتلة الأجور في القطاع العام (الآمد القصير) قبل أن تعمدّ إلى خفضها على الأمد البعيد. وقد يقول البعض أن هذا الأمر حصل في قانون سلسلة الرتب والرواتب الأخير حيث تمّ وقف التوظيف، لكننا نقول أن هذه الخطّوة ناقصة.

فالكل يعرف أن بعض الوزارات والمؤسسات فيها تُخمة من الموظفين في حين تعاني أخرى من نقص كبير في الموظفين، لذا كان من المفروض وضع بند يسمح للحكومة بنقل الموظفين بين الوزارات والمؤسسات بحسب الحاجة وذلك بهدف تعظيم إنتاجية مؤسسات الدوّلة.

في كل الأحوال، المفروض وقف التوظيف على سنتين على أن يتمّ نقل الموظفين بين المؤسسات بحسب الحاجة وتطوير نظام المعلوماتية لكي تزيد الإنتاجية. هذا الأمر يواكبه توظيف شخص لكل شخصين يبلغان سنّ التقاعد وبهذا يُمكن السيطرة على المدى البعيد على كتلة الأجور مع تعظيم إنتاجيتها.

هذا الواقع بالطبع يفرض تقييما للموظفين على أن يتمّ تأهيلهم لإنتاجية أعلى تحت طائلة الطرد من الوظيفة العامّة. هذا الأمر إلزامي لكي تكون خدمات الدولة في خدمة الإقتصاد والمُجتمع كما يجب أن تكون.

فقدان السيطرة على الدين

إن عدم السيطرة على إنفاق الدوّلة وعلى رأسها الأجور سيؤدّي حتما إلى رفع الدين العام الذي أصبح فعلًا في منطقة الخطر. هذا الإرتفاع الذي نراه منذ عشرة أعوام (فترة تضاعف فيها الدين العام) والذي هو إرتفاع خطّي (بمعدّل 3.1 مليار دولار سنويًا)، سيُصبحّ إسيًّا مع الوقت (Exponential) مما يعني أن نسبة تسارعه ستزيد ولن تكفي الثروة النفطية والغازية الموعودة لسدّ الدين العام.

تُشير أرقامنا إلى أن حجم الثروة النفطية في لبنان هو 200 مليار دولار أميركي، وتوقعات الدين العام للعام 2020 هي 100 مليار دولار أميركي. أي أنه وبحلول العام 2020 ستكون الثروة النفطية التي يمتلكها لبنان قد ذهب نصفها للدين العام.

وبما أن إستخراج الغاز والنفط بحاجة إلى أكثر من 8 سنوات، فهذا يعني أنه وبحلول العام 2025 (أي تاريخ بدء إستخراج النفط والغاز) سيكون الدين العام قد وصل إلى ثلاثة أرباع الثروة النفطية وستكون خدمة الدين العام في ذلك الوقت عالية لدرجة أن مردود النفط والغاز لن يكون كافيًا لتغطية فوائد الدين العام.

من هذا المُنطلق نرى أن على الدولة اللبنانية الإسراع في مُعالجة مُشكلة الإنفاق المُفرط في خزينة الدولة خصوصا كتلة الأجور في القطاع العام التي أصبحت تُهدّد مالية الدوّلة وبالتالي، الكيان اللبناني.