عود على بدء. استعاد «حزب الله» بالأمس، هجومه المبرمج والمنسق ضد تيار «المستقبل» متهماً إياه «بالفساد ووقوفه وراء التردي الذي اصاب بنية الدولة ومؤسساتها وذلك من خلال سياساته وادارته للسلطة«، وذلك دائماً بحسب ما تتحفنا به كتلة «الوفاء للمقاومة» من اسبوع الى آخر، والتي يبدو أنها قررت فتح حرب سياسية إعلامية تمهيداً ربما لاحداث إنقلاب واسع يتخطّى عار السابع من أيار.
إنه تخبّط فعلي يُعاني منه «حزب الله» خلال الفترة الحالية نتيجة حالة اللا توازن التي يمر بها على الصعيدين العسكري والسياسي. ففي الداخل السوري ما زال الحزب يُستنزف بشكل يومي وهو ما تؤكده الوقائع الميدانية بشكل متلاحق، وفي السياسة يجد نفسه عالقاً بين فكّي كماشة، بين خصوم سياسيين أصبحوا بحاجة إلى مساعدة مؤسسات إستطلاع لإحصاء عدد المخالفات التي يرتكبها على الدوام، وبين جمهور لم يعد يشتم من رائحة البنادق سوى صفقات النفايات والمحاصصة ورائحة «الكابتاغون الوطني المُدعّم».
بشتّى الوسائل يحاول الحزب أن يخلع عنه رداء الفساد وان يُلبسه إلى خصومه ليظهر بعدها أمام اللبنانيين عموما وجمهوره خصوصاً نظيف الكف والمدافع الأبرز عن حقوقهم والمواجه الأشرس لعمليات الاختلاس والتعدي على مؤسسات الدولة. لكن من يغوص في تاريخ الحزب القريب قبل البعيد، يتأكد له حجم الإرتكابات التي تغرق بها جماعاته من تجارة المخدرات وسرقة السيارات واحتلال المرافئ والمرافق العامة وتحويل إدارات ومؤسسات الدولة إلى أشبه بمؤسسات خاصة تعمل لحسابه وتحت امرته ووصايته.
قضية نوح زعيتر وما رافقها من حملة بيانات مضادة بينه وبين «حزب الله»، أظهرت بشكل كبير حجم الفساد الذي يغرق فيه، فشخصية تاجر المخدرات الذي تحوّل إلى «مقاوم» على الحدود اللبنانية – السورية وإلى عنوان لتحرير «الزبداني» و»القلمون» كشفت جزءاً بسيطاً من الجهات التي تمد الحزب بالمال مقابل السكوت عن تجارتها وتشبيحها وخطفها المواطنين لقاء فديات مالية، ما يكشف عن وجه الشبه بين ما يقوم به الحزب اليوم، وبين ما كان يقوم به «الثوار» في ايرلندا خلال حربهم مع الجيش حيث كان الدعم بالمال والسلاح يأتيهم عن طريق تُجار المخدرات مقابل تسهيل أنشطتهم داخل ايرلندا وعند الحدود.
يعجز «حزب الله» عن إيجاد حلول لمآزقه، فلا يجد غير «وسط» العاصمة وكتلة «المستقبل» هدفاً للتصويب عليه. لم يعد يوجد مواطن واحد في لبنان يعلم ماذا يُريد الحزب من خلال تركيز هجومه بإتجاه واحد وهو الذي لم يعد يرى حرجاً في خرق أمن وأمان المواطنين بعدما امتهن طريق الإنقلابات وزرع الموت والرعب بين الناس. وهنا يسأل المواطن نفسه، جهة لا تنفك عن الاعلان في بياناتها وعلى منابرها، بأنها هي التي أسّست لمرحلة جديدة من العز والعنفوان وبأنها شرّفت لبنان والعروبة، كيف لها أن تدّعي كل هذه الأمور بينما هي غارقة في الوحول والفساد وفي حماية تجار المخدرات في مواقعها «المُقاومة» الأمامية؟.
من داخل السلطة يتهم «حزب الله» السلطة والدولة بالفساد. هي إزدواجية المعايير وطريقة التعاطي التي يبرع الحزب فيها. يبكي على اليمن وشعبه، لكنه في المقاتل يُمعن بقتل الشعب السوري ويشرده من أرضه ويحتلها. يدعو الى السيادة وحماية الحدود اللبنانية، بينما يمنع هو عملية انتخاب رئيس ويرسل مقاتليه ومدرعاته وصواريخه الى عمق الاراضي السورية. يدعو الى محاربة الفساد وهو الحائز على أعلى المراتب في مذكرات التوقيف والبحث والتحري بحق عناصره في لبنان والمحافل الدولية وآخرها شبكة تهريب الأسلحة في الكويت والتي يُحاول لملمتها بشتّى الطرق بعد الأذى الذي كاد أن يلحق بفئات لبنانية تعيش وتعتاش في عدد من دول الخليج.
من فساد «الكابتاغون» إلى فساد نوح زعيتر، يصر «حزب الله» على احداث الضجيج من حوله للتغطية على ارتكاباته وارتكابات حلفائه، خصوصاً ان أصوات الرفض للواقع المهين الذي تعيشه بيئته أمنياً واجتماعياً ومعيشياً، أصبح يُسمع انينها بين الحين والآخر بعدما كانت تخشى التعبير عن ألمها بصوت عالٍ كي لا تُتهم بالعمالة ضد «المقاومة» وأمنها.