Site icon IMLebanon

يواجهون العقوبات بافتعال الفوضى

 

دخل تصاعد العقوبات الغربية والأميركية على إيران والنظام السوري و «حزب الله» في دائرة حرجة على القوى التي تستهدفها هذه العقوبات، ما يجعلها تبتكر أساليب الهروب منها من جهة، وتبتدع أساليب قمع الاحتجاجات على تداعياتها الاقتصادية من جهة ثانية.

 

 

العقوبات على إيران التي تركت اقتصاداً متداعياً أصلاً، نتيجة استئثار طبقة حاكمة فاسدة وأوليغارشية تستند إلى عقيدة دينية من أجل عسكرة جزء من المجتمع من طريق الحرس الثوري وفروعه، زادت من تأثير الأزمة الاقتصادية على استقرار هذه الطبقة. وإذا كانت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت مطلع السنة غلب عليها طابع الاعتراض الاجتماعي، مع ظواهر تؤشر إلى التململ السياسي، من نوع الدعوة إلى الخروج من سورية، ووقف التدخل في اليمن والكف عن توظيف الأموال في العراق و «حزب الله»… فإن مواجهة تحولها إلى حركة سياسية جذرية تتم بالقمع، وبحملة صورية على الفساد، وبجرعات إنمائية في بعض المناطق. ومن الإجراءات تحويل 7 بلايين متر مكعب من المياه الجارية صوب الأراضي العراقية، بقطعها عن مناطق عدة، منها البصرة، بأمر من المرشد علي خامنئي، بحجة استثمارها في مشاريع زراعية في محافظة خوزستان الإيرانية التي شهدت احتجاجات متعددة في الأشهر الأخيرة وصولا إلى إطلاق النار على استعراض عسكري للحرس الثوري.

 

لم تعد طهران تشعر بالحاجة إلى استرضاء العراقيين عبر ترك المياه تنساب من فروع تزود نهر دجلة، واثقة من أن النفوذ الذي زرعته في بلاد الرافدين، وسمح لها بنهب جزء من خيراته البترولية، وبجعله سوقاً لبضائعها تعويضاً عن العقوبات، سيستمر ولو عبر طبقة سياسية مقسمة تستطيع هي التحكم بتناقضاتها، مع تشكيل الحكومة الجديدة ولو كانت برئاسة شخصية من خارج دائرة الانتماء إليها مدعومة من المرجعية الشيعية العربية. ما يهم طهران هو التمكن من معاكسة التداعيات الشعبية لتدهور الاقتصاد بفعل تزايد العقوبات التي ستتعاظم انعكاساتها في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في قطاعي النفط والتحويلات المالية عبر المصارف. ولماذا تقلق القيادة الإيرانية من جعل العراقيين يشاركونها هذه التداعيات وصولاً إلى الفوضى؟

 

وفي سورية تفعل العقوبات فعلها ضد النظام الطامح إلى ترسيخ وجوده عبر ادعاء الاستعداد لإعادة الإعمار وإيجاد التمويل اللازم له لترسيخ بقائه في السلطة في غياب حل سياسي انتقالي، تشترطه الدول الغربية للمساهمة في هذا التمويل.

 

العقوبات الأميركية المقبلة على سورية ستكون أشد حزماً عبر قانون جرت مراجعته في مجلس الشيوخ على أن يبحثه مجلس النواب، تحت عنوان: «قانون عدم مساعدة الأسد». وهو يلزم الحكومة الأميركية بالامتناع عن تقديم مساعدات مباشرة أو غير مباشرة، في موازناتها من 2019 حتى 2023، سواء كان ذلك لإعادة الإعمار أو لتأمين الاستقرار، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وأي من أقرباء رجال هذه السلطة أو القوات المتحالفة معها، أي الميليشيات الإيرانية و «حزب الله». يشمل المنع منظمات الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويستثني منه المساعدات الإنسانية للنازحين والمجتمعات المحلية خارج سيطرة النظام مع إعلام الكونغرس سلفاً. ويربط القانون أي مساعدة في مناطق نفوذ النظام بـ «وقف الهجمات ضد المدنيين، إقالة من تورطوا في جرائم خلال الحرب من المسؤولين والعسكريين والمخابرات، مع تغيير وإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقف أي إنتاج لصواريخ باليستية، قيام جهاز قضائي مستقل… وتنظيم انتخابات عامة بإشراف الأمم المتحدة من أجل ضمان انتقال السلطة».

 

ليس غريباً أن يضرب النظام بعرض الحائط أنواع العقوبات. وهو يتهرب منها منذ سنوات عبر قنوات روسية وعربية ولبنانية. ويمعن في تدابيره لترسيخ بقائه، من طريق تشريعات آخرها المرسوم الرقم 16، بعد القانون الرقم 10 المتعلق بمصادرة أملاك المتغيبين، من أجل تعميق التغيير الديموغرافي والتحكم بالخريطة الاجتماعية السورية، وبالانتقائية في إعادة النازحين وإخضاعهم. فالمرسوم الرقم 16 يتيح له السيطرة على أملاك الأوقاف الإسلامية، السنية، والتي تقدر ببلايين الدولارات، من أجل إعادة تنظيمها والتصرف بها في إطار التغيير الديموغرافي وإعادة الإعمار المزعومة، ولتطويع الشريحة الكبرى من الأكثرية المعترضة على فئويته واستبداده، تحت شعار مكافحة التطرف والإرهاب.

 

في لبنان يلتف «حزب الله» على العقوبات وشح مال إيران، باللجوء إلى تغطية الدولة، وبمنع المحتجين على دوره من التعبير، وبالإصرار على تولي وزارة الصحة في الحكومة، غير آبه بحرمان البلد من مساعدة أميركية بقيمة 150 مليون دولار إذا تولاها.

 

مواجهة المحور الثلاثي العقوبات تتم بمعاقبة أركانه شعوبهم، في حلقة مفرغة تقود إلى الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في غياب أي أفق لحلول جذرية.