IMLebanon

يُقَهقِهُون على ضريحِ بو ذياب!

 

قلنا لدى إخراج حزب إيران «أرنب» توزير أحد نواب السنّة الستة في الحكومة العتيدة، إنه «رأس جبل الجليد». أي أن الحزب يخبئ في مفاجآته الجديدة، أرانب أخرى.. وصحَّ ما توقعنا. الأرنب الذي أخرجه مايسترو الحزب من أكمامه هو وئام وهاب، فإذا كان افتعال التعقيد يتمثّل بالوزير السنّي في الإطار السياسي، فإن دفع وهاب إلى المنصّة يتعلق بالفتنة: فتنة الجبل، بين الدروز والدروز، استهدافاً لمواقف جنبلاط من الأسد (مسألة السويداء خصوصاً)، ومن تأليف الحكومة. لكن الأمر تعدّى ذلك: وهاب يخرج «صبابيطه» العتيقة وألسنته المستعارة، ويكيل فجأة الشتائم إلى سعد الحريري.. وعائلته وصولاً إلى والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري. وعندما قدمت مجموعة من المحامين إخباراً للقضاء، بضرورة محاسبة هذا الرجل المفتون بالفتن، وصدرت إشارات قضائية لجلبه إلى التحقيق، هبّ الحزب، (ووراءه بشار) دفاعاً عن هذا القديس الذي ضُمَّ إلى قدّيسي الحزب من المتهمين بقتل الحريري. ورداً على ذلك، قام وهاب بعراضة مسلحة لتحدي الدروز وجنبلاط وصولاً إلى المختارة. رائع! لم يلبِّ وهاب إشارة التبليغ وكان على القوى الأمنية أن تقصده في بيته في الجاهلية لتبليغه.. هنا تغيّرت الصورة: من العراضة المسلحة إلى نوع آخر من العصيان المسلح! نشر مسلحين وقنّاصة على السطوح في مواجهة قوى الأمن (التي يساندها الجيش اللبناني لمنع الاحتكاك)؛ ولما فرّ المتهم، أبلغ الأمر إلى مختار الجاهلية.. ليبلغه إلى وهاب. غادرت القوة الأمنية، لكن، وانتصاراً أو تحدياً، راح المسلحون يطلقون الأعيرة النارية في الهواء (بلغت 5000 طلقة)، أصابت إحداها مرافق وهاب.. وأدّت إلى وفاته.

 

هنا المنعطف الآخر: اشمخر وهاب واتهم الحريري وجنبلاط بمحاولة قتله، وتبنّى الرواية حزب إيران، ونظام بشار.. وعنونت بعض جرائد الحزب بأن جنبلاط حاول قتله!

 

هذا المنعطف، هو تصعيد للمواجهة من الحزب وأذياله، ضد كل الدولة اللبنانية: من رئيس الحكومة، إلى قوى الأمن، والجيش، وصولاً إلى رئيس الجمهورية. إنها استمرار فتنة الانقلاب على الدولة في أوصافها الكاملة. الأرنب الجديد الذي أخرجه مايسترو الحزب من أكمامه، كشف نواياه: الدولة العاجزة عن الحكم.. والمنحازة، والمتآمرة، بقواها الأمنية وقضائها.. والبديل: هو الحزب الذي أنقذ وحده وحدة البلد من الانزلاق إلى الحرب الأهلية! يذكّرنا هذا بالسيناريو «القديم» – الوصاية السورية، عندما كانت تُشعل الفتن ثم تتقدم كالإطفائي، لإطفائها. فالشعب والدولة، والجيش، غير مؤهلين لحكم أنفسهم، والوصاية هي الضمان الأمني والاستقرار، وهذا يتضمن تهديداً: إما تقبلون باحتلالنا، أو ندمر البلد، على رؤوسكم: الحرية مقابل الفتنة، السيادة مقابل الخضوع، الاقتتال مقابل المطالبة بضرورة بقاء «المنقذ» أي آل الأسد في لبنان. ونظن أن التدرج في سحب حزب الله أوراقه من «توزير» أحد نواب السنّة، إلى التهديد إما بغزو الجبل، وافتعال صراع درزي – درزي (قد يمتد إلى مناطق أخرى)، يظهر، أكثر فأكثر خطة الحزب، للانقلاب على كل شيء، وجعل لبنان رهينة عند إيران، تُمارس بواسطته ضغوطاً على أميركا وأوروبا، مقابل تخفيف العقوبات عنها. مسألة خارجية إذاً! بطلها الحزب الذي أعلن بكل أريحية «وهاب من أركان المقاومة» (تماماً كما هي حال المتهمين من أفراده باغتيال الحريري: قدّيس جديد مقابل قدّيسين مقاومين. بدأت الصورة تتوضح، وإن كانت أصلاً متوقعة لكن ربما ليس في الجبل). إنه 7 أيار جديد، ينتقل من المدينة بيروت والجبل، إلى الجبل نفسه هذه المرة، استخدام «وهاب»، المموّل والمسلح من الحزب ودمشق الأسد، لإثارة الفتنة، فهذه الدولة غير موجودة أصلاً! ولا جيشها، ولا برلمانها، ولا حكومتها، ولا قضاءها، ولا محاكمها: فكلها «غير شرعية» ومن يمثل الشرعية وحده هو حزب الدويلة: إنه بكل وضوح تمرد مُعلن أو انقلاب، بدأ به الحزب منذ عودته من الجنوب «مقاوماً» إسرائيل إلى الحياة السياسية لمقاومة وجود الدولة..

 

استراتيجية الحزب

 

وقد درج الحزب على تنفيذ استراتيجيته الإيرانية، عندما كان الهلال الفارسي «خصباً» في عدة دول عربية سنّية: سوريا، اليمن، العراق.. لكنه يتخذ هذه المرة بُعداً «آخر» لدى الحزب. فالهلال انكسر على رؤوس الملالي وعلى رأسه، ولم يبقَ لحديدان سوى ميدان لبنان: فليأخذه ملاذاً، ومنطلقاً لنشر الفوضى في العالم العربي والعالم: وإذا كان دور الحزب قد انتهى بهزيمة مدوية في سوريا، شأنه شأن الأسد، فها هو ربما يستعد للعودة إلى لبنان كـ«طرف سياسي» مموّه لكن ليس للاندماج بهذا البلد وحياته السياسية، بل لفرطه، ليسهل السيطرة عليه. إنها فرصة الخاسر الأكبر في بلاد كانت قد بدأت تستعيد أنفاسها، وتعزز جيشاً قادراً، وقوى أمنية فاعلة.. إذاً، فليضرب ضربته، قبل اكتمال جهوزية الجيش، وقبل تصدع بيئته نفسها تحت أقدامه، وقبل قيام حلف أكثري، سياسي يُناهض مخططه للاستيلاء على البلد: إنها اللحظة المثالية: فالحزب عقد اتفاق وقف النار ببنود سرية مع إسرائيل.. وهذا سهّل له الانخراط في الحرب السورية بآلاف المسلحين، تاركاً الجنوب نهباً لإرادة إسرائيل: فهدف إسرائيل يجامع دور إيران في تدمير سوريا وهزم الثورة الشعبية، ولا بأس، إن تمّ تحالف «الأضداد». عال!

 

لقاء الأعداء

 

وهي ليست المرة الأولى التي يلتقي مَن يُفترض «أنهم أعداء» على هدف مشترك: أوليس هذا ما حدث في العراق عندما نسقّت إيران مع الغزو الأميركي لإسقاط صدام حسين؛ أولم تسلّم أميركا وإسرائيل هذا البلد العربي إلى إيران ليكون من «بشائر» «هلالها» المذهبي؛ إذاً كل شيء يصدّق عن هذه الجمهورية المريضة بكراهية شعبها أولاً والشعوب العربية الإسلامية ثانياً.

 

والعنوان الدائم والثابت محاولة بسط سلطتها أو احتلالها، عبر الحزب والمآسي على هذا البلد أو ذاك؛ من هنا ففتنة جبل، ومحاولة شلّ الحياة السياسية والدولة، والجيش، والحكومة، وقوى الأمن والقضاء ليست بجديدة.

 

7 أيار

 

نتذكر غزوة 7 أيار، ونتذكّر متفجرات ميشال سماحة: فهذا الأخير كان «وهّاب» تلك المؤامرة: أسلحة ومتفجرات من سوريا «المملوك»، لارتكاب مجازر جماعية بحق السنّة، وفي عيد الفطر بالذات. وعندما «استدرج» سماحة، وكُشف مخططه بالصوت والصورة، قامت قيامة الحزب: ميشال سماحة خط أحمر «لا يُمسّ»؛ واندفعت الأبواق، لتبرئته. لكن الوقائع كانت أدمغ من تهاويلهم وتهديداتهم. زُجَّ في السجن، لكن وبضغط من الحزب أُفرج عنه بعد حبسه بمدة قصيرة. (فهو قدّيس، أقديس في السجن؟). لكن الإدانات التي صدرت بحق المحكمة التي أصدرت قرار الإفراج عنه، أعادت «بطل الفتنة»، أقصد «وهاب الجبل» اليوم إلى السجن: التهويل ذاته، والأكاذيب ذاتها، وجعل المجرم هو الضحية، والبطل. ما أروع صناعة «الأبطال»: المتهمون بقتل الحريري “أبطال”، العميل الإسرائيلي فايز كرم «بطل».. وإنما بمواصفات المقاومة..

 

ونظن أن الذين شاهدوا الاحتفال بمقتل محمد بوذياب، الذي نظمه الحزب بضيافة السفير السوري، في الجاهلية، أبلغ صورة: الكل بحالة نشوة، واعتزاز وإعلان انتصار: على الدولة، وقوى الأمن.. والجيش، ووليد جنبلاط وسعد الحريري.. وحتى الرئيس عون. فالسفير السوري، مغتبط بنصره، في حين أن بلده بلا سيادة، ولا استقلال، ولا جمهورية، ولا شعب، خاضع لأربعة احتلالات: إسرائيل في الجولان، وتتقاسم الأراضي السورية أميركا وإيران وروسيا! قهقه أيها السفير، فقد حققت لنظامك نصراً مبيناً، يعوّض عن هزيمته. صورتهم مقهقهون كأنما تمثل مصاصي دماء تسيل من عيونهم ومناخيرهم وأنيابهم الدماء. أولم تكن الوصاية السورية بمثابة مصاصة دماء الشعبين اللبناني والسوري؟ وحزب الله تقطر من أطرافه وجباهه تلك الدماء (ساق 3 آلاف شاب شيعي إلى سوريا.. وقدمهم ذبائح أمام المرشد الإيراني)، (لا ننسى الـ700 مليون دولار التي يتقضاها الحزب من نظام الملالي).

 

لكن، يجب أن يعرف الحزب، أن اليوم لم يعد كالأمس. فهو عاد من سوريا خاسراً، مذلاً، شلواً، مجرداً من «حلم» هلال أربابه، عارياً حتى من كل ما يجعل منه «بطلاً»، أو منتصراً. إنها لحظات العُزلة القاتلة التي تقتل أحياناً لكسر الطوق الذي يحاصرها. وهي، في «هجومها»، على الدولة والمؤسسات، في مواقع الدفاع، عن آخر مواقعها: خسروا الحرب وها هم يريدون أن يعوضوا بربح معركة محدودة. فوهاب عابر كالعابرين، ومنبوذ كالمنبوذين، وحزب الله يريد من خلال تصدع بيئته، أن يظهر لإيران، وجهاً وكأنه حاميها، وقائدها الذي لا يُقهر. يذكّرنا في ذلك بآخر لحظات هتلر قبل انتحاره، وبآخر لحظات موسوليني قبل شنقه بالمقلوب وهو متنكر بلباس النساء. وهذا ما استشففته في الصورة التي يقهقه فيها أفراد الحزب والسفير السوري: نساء يتنكرّن بلباس «الأبطال»، أو جوارٍ لعوبات يتجمّلهن في سوق العبيد.

 

التهديد

 

ونظن أن لهجاتهم «التهديدية»: تهديد الحريري وعثمان وحمود وجنبلاط وربما عون بالقتل، جاء في غير زمانه. فقد سبق أن قتلوا الحريري ورموز 14 آذار، فكانت النتيجة معكوسة. لم يعد يجديهم إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء (كما قال الرئيس عون)، لأن الدولة، برغم كل شيء، قد سبقتهم، وأنها في مواجهتهم بدعم أكثرية الشعب اللبناني. فهل يقتلون كل الشعب (كما فعلوا في سوريا) ويهجرونه، ويدمرون بلاده. أيهددون من خلال رموز المعارضة المدنية اليوم، لبنان كله بهذا المصير. نتحداهم بأن يفعلوا، لأنهم لن يلقوا سوى مصير الأسد، والقذافي، وصدام، وبن علي. فليدمروا الاقتصاد كما يريدون (ولم يبقَ في أنياب الأفعى من السموم ما يقتل!)، فسيرتد عليهم. صحيح أن أكثرية الشعب اللبناني ما زالت على منصة الانتظار، لكن في اللحظة المُنتظرة، ستهبّ. (أوليس هذا ما حصل بعد اغتيال الحريري). أما هذه الشعوبية، الشعبوية الناضحة بالقذارات، وبالقيح، فلم تعد سلاحاً نافذاً، والضرب على وتر «الحرب الأهلية» لم يعد نافعاً..

 

أما محاولة إدامة الفراغ (كما حصل في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وقبلها في تأليف الحكومة) وإذا كانوا يريدون تجربة السيناريو السوري – الإسرائيلي – الإيراني، فالمعادلات متباينة.. ونظن أنهم إذا فعلوا ذلك، فستكون نهاية ما تبقى لهم من حضور، وإذا أرادوا نكء جراح المذهبية فستسيل دماؤهم قبل سواهم..

 

إن الحزب، بعدما فشل في إخضاع الحريري وعون، سحب ورقة «الحرب الأهلية» فما هي الورقة الأخرى التي سيسحبها؟.. الاغتيالات! فليقتل ويفجّر ويخطف، فلن يجديه كل ذلك نفعاً: يظن أنه حشر الحريري وعون في الزاوية، وهو أصلاً محشور تحت أنقاض مشروعه، ولم تعد له أذرع سوى في بعض المجالات المحدودة..

 

لكن المهم في كل ذلك، مواجهة هؤلاء القتلة والمأجورين والمرتزقة واللصوص بالصمود: الصمود الشعبي.. وصمود أهل الدولة والجمهورية، والديموقراطية.

 

فأمامهم عدو لكل شيء جميل، وكل حياة، وكل ازدهار، يعيش بين الموتر بذاكرته، ومخيلاته.. ومنذ متى هزم الموتى الأحياء؟!

 

كأن تواريخهم المتكررة: من 7 أيار، إلى متفجرات سماحة، إلى انقلاب القمصان السود، مروراً بموجة الاغتيالات فإلى عراضة وهاب، حلقة واحدة لم يبقَ منها سوى العبث واللامعقول.. وجنون العجز.

 

بول شاوول