Site icon IMLebanon

سيحرقون حلب ثانيةً ولن يرضَوْا إلا بحلٍّ عسكري

الحقيقة العارية هي الآتية: #الأسد - خامنئي-بوتين - اوباما - مجرمون - يحرقون - حلب… إنهم يقتلون الأطفال والنساء، الأطباء والممرضين والمسعفين. يريدون قتل المكان الذي وُجد وتألق قبل أن تُوجد أماكنهم، بلدانهم، دولهم، وقبل أن يكونوا. التحقوا جميعاً بمغول هولاكو ليصبحوا مغول يومنا الحاضر، يقتبسون من ذلك الطاغية تعطشه للدم وشغفه بذبح البشر كقطعان الماشية. لم يسعَ هولاكو الى أن يكون شيئاً آخر غير ما كان عليه فهو من أرباب الحرب والغنائم، ومن طغاة «ما قبل» الشعوب والمجتمعات، و «ما قبل» الاعتراف بإنسانية الإنسان وبحقوقه وحريته. لم يأبه لقيم أو مبادئ، ولعلّه يعجب وهو في قبره أن هناك مَن استعاده في القتل بدم بارد، لكنه لن يفهم لماذا يلجأ ورثته الى كل هذا الدجل ليفعلوا ما فعله هو يوم لم يكن لديه من يسانده، لا زعيم مافيا، ولا مرشد يسعى باسم الدين، ولا مخبول ينحر باسم «الخلافة»، ولا رئيس دولة عظمى تعرف كيف تحارب وتجهل صنع السلام، ولا مبعوث أمميّ بائس يتملّق عتاة الاستبداد وينوب عنهم في إدارة التوجّه الى «ديموقراطيةٍ» ما.

الروسي والإيراني، مثل رأس النظام السوري، معتادان على المجازر والمحارق، لا يكترثان بما سيكون عليه إرثهما. الاميركي يلتحق بهم، أصبح إرثه في مستقبله: نوبل السلام لم يخض حرباً لكنه جلس يتفرج على ذبح سورية والسوريين، كما تفرّج على غزّة والغزّيين. لم يطالبه أي سوري بأن يرسل قوات لنجدته لكنه يؤكد كل يوم أنه: لن يرسل جنوداً الى سورية، لن يسمح بتسليح نوعي للمقاتلين ضد النظام، لن يوافق على منطقة آمنة للاجئين، لن يتعايش مع مجرم كالأسد في السلطة، لن، لن، لن… والمفارقة أنه اعتمد أولاً على هذا المجرم ليحسم أزمته ويتحوّل إصلاحياً مقبولاً من شعبه، واعتمد ثانياً على ايران وثالثاً على روسيا متغافلاً عن جرائمهما علَّهما يفلحان في الإجهاز على انتفاضة السوريين. اشتغلوا جميعاً على مشروع واحد: كسر الشعب من أجل النظام ورئيسه، وطوّعوا الحلّ السياسي ليناسب بقاء الأسد، لكن مشكلتهم أن الأسد نفسه لم يعد يعرف كيف يبقى إذا توقّف عن القتل.

أصبح تواطؤ حارقي حلب الأربعة علنياً بعدما كان ضمنياً، حتى لو تبادلوا الضغوط والتجاذبات. يلاعبهم الاميركي ليبدو كأنه يدير اللعبة مكتفياً برعايتها، ويتلاعبون به وعليه فيما هم يديرونها. ويبقى السرّ عند الأسد والإيرانيين، فهم تخلّصوا من أيّة مشاعر أو عُقَد في شأن خيار الإبادة، بل تجاوزوها الى استدراج بوتين الذي لا مشكلة أخلاقية تحول دون انخراطه في الإبادة، لكنه فضّل اجتذاب اوباما ليكتسب الأمر شيئاً من «الشرعية» الدولية. هذا التواطؤ ينطوي على ضرورة إجبار المعارضة على الرضوخ لمفاوضات على بقاء الأسد في إطار «عملية سياسية» عنوانها «حكومة جامعة». وعندما قال جون كيري أخيراً، من دون أن يشرح، أن الصراع السوري «أصبح في نواح عدة خارج نطاق السيطرة»، فلا بدّ أنه كان يعني أولاً الشركاء الثلاثة الآخرين، روسيا وايران والنظام، قبل الأطراف الأخرى التي ساهمت في التصعيد.

رغم أن الحل مجحف بالنسبة الى الشعب السوري إلا أن النظام وايران لا يريدانه لأنه، على اختلالاته المعروفة مسبقاً، يُفترض: أولاً، أن يكرّس تغييراً في طبيعة الرعاية الثنائية الحصرية (الروسية – الإيرانية) للوضع السوري. وثانياً، أن يغيّر معادلة الحكم بإدخال قوى المعارضة والمستقلّين إليها، فمهما تم التلاعب باختيار ممثلي هذين الطرفين، فإن هؤلاء مرشحون لمهمة محددة لا بد أن تتبلور في الدستور المقبل بل لا بدّ قبل ذلك أن يحصلوا على صلاحيات منتزعة من صلاحيات الرئيس. والأهم، ثالثاً، أن يكون هناك مجلس عسكري لتغيير تركيبة المنظومة العسكرية – الأمنية، وإلا فكيف يمكن تصوّر «هيئة حكم انتقالي» أو حتى «حكومة جامعة» قادرة على العمل بوجود «شبّيحة» وقتلة أمثال ماهر الأسد وعلي المملوك وجميل حسن وسهيل الحسن وغيرهم وغيرهم…

كل ذلك افتراضي، ومبني على توافق اميركي – روسي على بقاء الأسد مقابل قبوله تلك التغييرات (بضغط روسي) من جهة، ومن جهة ثانية قبول المعارضة (بضغط اميركي) هذا السيناريو الوحيد المتاح للتخلّص من الأسد لكن «بعد حين». أما الحاصل فعلياً فهو الضغط على المعارضة وحدها، سياسياً من الجانب الاميركي وعسكرياً من الجانب الروسي، بدليل هذا التكالب الوحشي على حلب لإرغام المعارضة على الاعتراف بأن خيارها القتالي انعدم، وأن هامشها السياسي ضاق، منذ غيّر التدخّل الروسي موازين القوى لمصلحة النظام. ثمة حلقة مفقودة في هذا السيناريو، وهي الضمانات، فلا موسكو ولا واشنطن قادرتان على ضمان رحيل الأسد «بعد حين»، أو على ضمان نزع صلاحيات الأسد لتمكين «الحكومة الجامعة» من العمل. ومردّ هذا العجز الى «فيتوات» ايران… لكن، ما دام الأمر كذلك، علامَ يدعون المعارضة الى مفاوضات، ولماذا يضغطون عليها وعلى الدول الداعمة لها لتسير في «حلٍّ» تتحكّم به ايران (والأسد) أساساً؟ فحتى لو كانت هذه «إرادة دولية»، كما تسمّى، فإنها لا تصنع حلّاً حقيقياً للصراع، بل تُظهر أن الدولتين الكُبريين لم تتعلّما شيئاً من تجربة الغزو الاميركي للعراق، ولا من ظهور تنظيم «داعش»، بل الأسوأ أنهما تعجزان عن استشراف ما بعد «داعش» الذي يمكن أن يكون أكثر وحشية وخطورةً.

بعدما أصبحت محرقة حلب قضية رأي عام دولي، رأت واشنطن أن تنهي صمتها، وجاء جون كيري الى جنيف ليستكشف أي أثر تركته عشرة أيام من القصف المتواصل على المعارضة وداعميها. قبل ذلك كان حصل من سيرغي لافروف على هدنة في اللاذقية ودمشق، فإذا احتُرمت وعد الروس بإمكان البحث في تجديد الهدنة في حلب. وليس لمنطق المقايضة هذا أن يتوصل الى تهدئة حقيقية لازمة لاستئناف مفاوضات جنيف، لا من أجل التفاوض فعلاً بل لقياس مدى استعداد المعارضة للتراجع عن مطلب رحيل الأسد وزمرته. لكن الاتفاق الأساسي للهدنة حمل في نصه ايحاءات خرقه طالما أنه يسمح بمواصلة ضرب تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة»، أما «داعش» فلم يتلقَّ أي ضربة خلال توسعه في ريف حلب، وأما «النصرة» فكانت الذريعة التي تقبلها دولة مثل روسيا لقتل محمد وسيم معاذ، طبيب الأطفال الوحيد في حلب… وستبقى هذه الذريعة قائمة في انتظار المذبحة المقبلة.

الحقيقة العارية الأخرى هي أن الأسد وخامنئي وبوتين واوباما لا يبحثون حقّاً عن حل تفاوضي أو عملية سياسية. إنهم يديرون الأزمة لإنهاك المعارضة وتبدو واشنطن كأنها كُلّفت استدراجها الى الاستسلام. وأي استئناف للمفاوضات بالضغط أو من دونه سيطلق عليه النظام وايران النار، لأنهما ضد الحل المقترح حتى بصيغه المخففة، فالمحبّذ عندهما ولا تمانعه روسيا هو أن يبقى الأسد كما كان وكأن شيئاً لم يكن. ثمة استنتاجان أبرزتهما جريمة حلب: الأول، أن درجة الوحشية أعادت تثبيت استحالة التعايش بين المكوّنات وجدّدت اندفاع النظام وايران نحو التقسيم. والثاني أن الحرب ستطول بعد، خلافاً للانطباعات التي تشيعها التفاهمات الاميركية – الروسية، الى حدّ أن السوريين باتوا يشيرون الى أن الصراع ستحسمه «الموجة الثانية من الثورة»!… أبناء القتلى والمصابين والمفقودين والمعتقلين الذين خسروا خلال خمسة أعوام كل ما لديهم، الأهل والبيت والمكان، الطفولة والصبا والحاضر والمستقبل. لم يعد لديهم ما يخسرونه، وإذا كان العالم كلّه تضافر لظلمهم فإنهم سيطالبون بدم آبائهم وإخوتهم ولن يكترثوا لاحقاً إذا وُصفوا بـ «الإرهابيين» أو بـ «الداعشيين» أو بـ «ما بعد» هؤلاء وأولئك.