عندما كان رئيس الجمهورية بالصلاحية المطلقة لم يستفد منها مرّة. هذا هو التاريخ يشهد على أن الرؤساء لم يستغلّوا صلاحياتهم الواسعة تلك في ما يُسيء الى روح الميثاق والوحدة الوطنية، واستطراداً الوفاق الوطني.
كان رئيس الجمهورية يملك صلاحية تعيين الوزراء وإختيار واحد منهم رئيساً لهم. الى هذه الدرجة كان النص. أي إن رئيس الوزراء كان وزيراً يختاره رئيس الجمهورية من بين الوزراء الآخرين ليترأس الحكومة. إلاّ أن هذا لم يحصل أبداً. إذ كانت تُـجرى استشارات (غير ملزمة بالطبع) لم ينص عليها الدستور. ولكن كان الرؤساء يأخذون بنتائجها في معظم المرّات إن لم يكن فيها كلّّها. من دون أن يكون الرئيس مجبراً على ذلك.
كان رئيس الجمهورية يملك حق إقالة الحكومة برئيسها وأعضائها. فهل نعرف أياً من رؤساء الجمهورية (ما قبل «الطائف») إستفاد من هذه الصلاحية؟!. صحيح أنّ «المناكفات» كثيراً ما كانت تُسجّل بين القصر والسراي (يومها لم يكن في لبنان، على الصعيد الرسمي، إلاّ قصر رئاسي واحد مهما كان، سواء أكان بيتاً متواضعاً في القنطاري، أم بيتاً يستريح بين أشجار الصنوبر في حرج تابت في سنّ الفيل قبل أن ينتقل الرؤساء في القسم الثاني من ولاية الرئيس المرحوم شارل حلو الى قصر بعبدا الذي بدأ العمل فيه في ولاية الرئيس المرحوم كميل شمعون).
تلك المناكفات كان ينضم اليها رئيس الحكومة، ويُسهم فيها عندما لا يكون في السراي، أما عندما يستقر به المقام في الكرسي رقم 3 فسرعان ما كان ينسى (والأصح يتناسى) المطالب والشعارات التي كثيراً ما كانت أَثيرةً عنده ومحفوظة في قلبه. على سبيل المثال: الرئيس المرحوم صائب سلام كان يتناول خصمه الموجود في السراي بشعارين لافتين على الأقل! كان يأخذ على الخصم (ولنقل المنافس) بأنه «شرّابة خُرج»، ويطالب بـ«المشاركة». هذا المطلب الذي كان أساساً في إتفاق الطائف ودستوره لاحقاً، والذي تبيّن أنه لم يكن مشاركة بل «تشليح» رئيس الجمهورية صلاحياته. أمّا عندما يكون الرئيس سلام في السراي فيواجه من يرفع الشعارين آنِفَيْ الذكر في وجهه بالقول: «يروحوا يتضبضبوا فالمشاركة بألف خير»… وهو ما أدلى به لي ذات يوم ليتصدّر صباح اليوم التالي «مانشيت» جريدة «الحياة».
وهل سبق لرئيس الجمهورية أن حل مجلس النواب؟ وتلك واحدة من صلاحياته؟
اليوم يحاول البعض إعادة إثارة هذا الموضوع بتصوير أزمة تشكيل الحكومة على أنها صراع بين القصر والسراي، بين الرئيس العماد ميشال عون والرئيس الشيخ سعد الحريري، والواقع أنّ لفريق رئيس الجمهورية حداً من المطالب، هذا صحيح، ولكنها ليست وقفاً على هذا الفريق. فالممارسة الملتبسة لإتفاق الطائف جعلت الجميع في موقف القادر على المناكفات سلباً وإيجاباً. فإذا كان للوزير جبران باسيل مطالب يصفها البعض بالشروط، أوليس للنائب السابق وليد جنبلاط مطالب – شروط؟ ومثلها للدكتور سمير جعجع؟ ويلوّح بأكثر منها الثنائي الشيعي (كما ورد ضمناً في الكلام الأخير لسماحة السيّد حسن نصراللّه وللرئيس نبيه بري) ولسواهم من الأفرقاء والقيادات والزعامات؟
ماذا يعني هذا كلّه؟
يعني، في تقديرنا، أنه إذا كان ثمة علّة فهي في عدم وضع قوانين وأنظمة دستورية تتوخى مصلحة الوطن، وليس إضعاف هذا لتقوية ذاك، وتقوية ثالث لإضعاف رابع.