IMLebanon

إشتروا “الوقت” قبل فرار اللصوص!

 

لا أمن ولا أمان وعيون الكاميرات لا تكفي

إشتروا “الوقت” قبل فرار اللصوص!

 

أين نُخبئ الأموال؟ في خزنة؟ في جوارب؟ في كيس طحين أو رز أو سكر؟ وماذا لو دخل الى بيتنا لص؟ كيف نحمي أنفسنا من السارقين الذين قد يتسللون تحت عين الشمس كما في عين العاصفة والقمر؟ نحن في خطر. اللبنانيون في خطر. و”الدولة” في غيبوبة. فهل من حلول؟ هل يمكن أن نستعين بكاميرا خفيّة تجعلنا نحتاط من تسلل لصّ وخطر الأيدي الخفيّة؟ أيّ نوع من الكاميرات نستخدم؟ أي تكنولوجيا نستخدم؟

إكتشفت دولتنا هناك، في أحد الأحياء الجنوبية، قيام مجهولين بسرقة كابلات ومحوّلات الكهرباء والترانسات النحاسية. إنتهى الخبر. أيامٌ قليلة وسمعنا بخبرٍ جديد: أقدم مجهولون على قطعِ وسرقة كابلات الكهرباء في المحوّل الرئيسي. إنتهى الخبر. أقدم لصّ على متن دراجة نارية على نشلِ هاتف مواطن أثناء عودته من عمله الكائن في وسط بيروت وفرّ الى جهةٍ مجهولة. إنتهى الخبر. سُرقت دراجتان ناريتان في أقل من أسبوع في بلدة برقايل. وانتهى أيضاً وأيضاً الخبر. كيف يسطو اللصوص على ما يريدون ويعودون أدراجهم حين يريدون من دون أن نسمع عن كاميرا خفيّة ما، بحوزة جهة رسمية ما، تُحدد الجريمة العينية في شكلٍ كامل؟

 

أسئلة كثيرة بلا أجوبة وأجوبة لا تشفي الغليل. والحلّ؟ إعتماد البعض على الأمن الذاتي وعلى الكاميرات الخاصة. لكن، هل تنفع هذه الكاميرات في لجم اللصوص والكشف عن “الحراميي” قبل وقوع السرقة؟ في بيت نانسي عجرم وزوجها فادي الهاشم كشفت الكاميرات عن أشياء وغابت عنها أشياء. هناك أسرار؟ ليس هذا موضوعنا. لكن السؤال، ماذا لو رُبطت هذه الكاميرات بأجهزة إنذار؟ وماذا لو عملت الدولة كما وعدت منذ أعوام بتركيز الكاميرات في كلّ أحياء بيروت والضواحي؟ وماذا عن جودة الصورة والألوان وتكنولوجيات هذا العصر؟

 

هناك من تحدثوا وأسهبوا عن تغيير الثياب والألوان وطبيعة الصورة التي نقلت حادث السرقة في منزل الفنانة نانسي وزوجها. فهل هناك كاميرا أكثر جودة من كاميرا؟ يجيب التقني جوليان طنوس الذي “ينغل” في هذه الأيام وينشط في تركيب الكاميرات “هناك طبعاً كاميرات ذات تقنيات أفضل من كاميرات لكن تغيير الألوان ليس معناه أن الجودة منخفضة لأن الكاميرا تثبت عادة في السقف، ما يؤدي الى إنعكاس الضوء والسترة، ذات اللماعية، تتحول الى أبيض. كلّ ما يلمع يُصبح أبيض.

 

يتحدث طنوس عن إختلاف في مدى العدسات الـ”زوم” بين كاميرا وأخرى، ما يجعل النتيجة تختلف، وتوجد كاميرات ذات جودة عالية في الليل. وثمة خدمة كان يجهلها كثيرون، لكنها راجت في الآونة الأخيرة، تتمثل بربطِ الكاميرا أونلاين عبر البريد الإلكتروني “الإيميل” بحيث تُرسل إشارات مباشرة الى الشخص المعني، أينما كان، عبر بريده، إذا حاول أحدهم سرقة ممتلكاته. وهناك كاميرات ترسل صورة اللصّ أو “نمرة” المركبة التي اقتربت من الكاميرا. وهناك كاميرات تشتغل على مدى عشرة أمتار وأخرى عشرين أو أربعين متراً. أما بالنسبة الى الأسعار فيحددها طلب الزبون. كاميرات داخلية أو خارجية. الداخلية أرخص سعراً أما الخارجية فيفترض أن تكون ضدّ المطر “ووتر بروف”. ويسأل من يُطلب منه تركيب الكاميرات، قبل تحديد السعر، عن عدد الغرف المنوي تركيز عدسات المراقبة فيها. وما إذا كان شكل البيت من الخارج مستطيلاً أو مربعاً. فإذا كان البيت ممتداً بالطول فذلك يتطلب عدد كاميرات إضافية. أما البيت المربع العادي فتكفيه أربع الى ست كاميرات خارجية بتكلفة وسطية تناهز 550 دولاراً. أما ما يُحكى حالياً عن عروضات مغرية كـ “أربع كاميرات بأربعين أو خمسين دولاراً فهذه “تطير” مع أول صاعقة.

 

تفاصيلٌ كثيرة تعيدنا الى طرحِ السؤال: هل تفي الكاميرات الخاصة وحدها في تأمين الحماية؟ وماذا عن كاميرات الدولة التي لا نجدها في كلّ مرة نسأل عنها؟ وماذا عن الوعود التي أطلقت ذات يوم ببيروت آمنة خالية من التفجيرات والسرقات و”الويلات”؟

 

فلندخل في الأرقام. المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إنتهت، مع إنتهاء 2019، من جداول إحصاءات حوادث سرقة السيارات وحوادث النشل والسلب وسلب السيارات والسرقات الموصوفة. وفي الأرقام، سرقت بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من العام 2019 ،163 سيارة إستعيد منها 35 فقط لا غير ما يعني أن 128 سيارة مسروقة “طارت” في مهبّ الريح! فلننتقل الى حوادث النشل بين آخر تشرينين: مئة حادثة نشل. وهناك من يجزم أن الحالات غير المعلنة وأرقام كانون الأول وأول عشرة أيام من كانون الثاني 2020 تصدم! في كل حال، هناك حوادث السلب تدونها قوى الأمن الداخلي بمعزل عن حوادث النشل علماً أنه في القاموس العربي السلب هو نوع من النشل. فلنقرأ في أرقام حوادث السلب في آخر تشرينين: 64 حالة. أما أرقام حالات السطو المسلح فأتت صفر. في المناسبة، البارحة (ليل 11-12 كانون الثاني) حصلت ثلاث حالات سطو بالمسدسات على نواد سجلتها الكاميرات.

 

فلنعد الى الكاميرات. فلنضع عنوان الكاميرات في بيروت على غوغل ونقرأ في تواريخ القرن الجديد كم من مرة ومرة طُرحت فيها قضية تركيب الكاميرات في بيروت لتأمين السلامة العامة وعادت وأقفلت ليعود ويتلهى البلد بملفٍ آخر. في 2006، إثر الهجوم على مبنى العسيلي في ساحة رياض الصلح عاد الحديث عن تثبيت كاميرات مراقبة في العاصمة. وفي العام 2014 كثر الكلام عن مخالفات تشوب مناقصات تركيب الكاميرات في العاصمة. وفي 2016، عاد الكلام عن صراع بين محافظ بيروت زياد شبيب ورئيس بلدية بيروت بلال حمد بسبب المحاصصات حول تلزيم تركيب كاميرات المراقبة في العاصمة. وفي 2019، في أيار 2019 بالتحديد، أصدرت بلدية بيروت قراراً لتسليم مركز التحكم بكاميرات مراقبة العاصمة لقوى الأمن الداخلي. وهناك عضوان طالبا بتسليم هذه الغرفة للجيش اللبناني. وتجددت الإتهامات بين السياسيين في هذا المجال بين من يثق بالجيش أكثر أو بقوى الأمن أكثر. ولبنان يا أخضر يا حلو!! غرفة التحكم المروري في بيروت الإدارية تضم كاميرات مراقبة ورادارات لزوم السير، ولعل أطرف السرقات ما حصل قبل أعوام على طريق المتن السريع إذ سرق ثلاثة لصوص كاميرا ضبط السرعة وكانت سيارة لقوى الأمن على مسافة أمتار ! لكن قوى الأمن طاردتهم واستعادت ما لها. مشاكل الغرفة كثيرة لن ندخل الآن في كواليسها لأن الأمن في القعر، ليس في بيروت وحدها بل على مساحة 10452 كيلومتراً. السلطة في لبنان لا ترغب هي أيضاً الدخول في الكواليس إذ كفاها أنها وضعت كاميرات للمراقبة في صفوف الطلاب خلال الإمتحانات الرسمية. يبدو أن نشل الطلاب للإجابات أخطر عند دولتنا من سطو اللصوص على الأرزاق.

 

في العام 2007 نصح وزير السياحة السابق فادي عبود (وكان رئيساً لجمعية الصناعيين اللبنانيين) أصحاب المحال والمؤسسات والبيوت بتركيب كاميرات مراقبة على أن يعفى من يفعل هذا من بعض الرسوم. نصيحة ُ عبود الى دولتنا لم تكن بجمل. والسلطة في لبنان من “يوم يومها” ترمي الأزمات الى الأمام وتؤجل المعالجات والحلول.

 

اللبنانيون، من جهتهم، إحتاطوا منذ أكثر من عقد للسرقات المتزايدة. وباتت الدولة تستعين بهم في كلّ مرة تحدث حادثة بدلاً من أن يستعينوا هم بها. لا بل أكثر من هذا هناك من يخبرنا أن الكاميرات الموجودة حول أسوار مطار رفيق الحريري الدولي ومحيطه معطلة. ألا تتذكرون هنا الشاب حسين حيدر الذي قضى في مقصورة الدواليب في طائرة “ناس” السعودية التي انطلقت من مطار بيروت الدولي؟ كيف تسلل؟ كيف تسلق؟ وكيف لم تلتقط الكاميرات حراكه؟ ماتت القضية. نسيناها. نحن، للأسف، شعب مصاب بفقدان الذاكرة.

 

ليس وجود الكاميرات هو وحده بيت القصيد بل من يدير الكاميرات. والحماية، لمن يهمه الأمر، لا تقتصر فقط على كاميرات المراقبة بل تتعداها الى المطافئ والخزائن الحديدية… وهناك، كي لا نعدّ ونسمي، أكثر من 37 ألف منتج قد يساهم بتأمين الحماية، ويتفرع عن كل منتج، بحسب أحد المولجين بأمور الحماية، مئات المنتجات التي تقي من السرقات والجرائم.

 

فلنسأل أكثر “زود للحماية” عن عمل الكاميرات وقدراتها؟ الكاميرا هي جهاز الكتروني ينقل الحقيقة الى شاشة، وتتكون الكاميرا من جسم وجهاز إشعار وعين تتحول من ضوء الى كهرباء وترسل الصورة الى نظام تسجيل “هارديسك” والى شاشة كومبيوتر أو هاتف. في كل حال، الطلبات تزيد والحاجة تزيد لكن ليس بقدرة كل من يطلب جهاز حماية أن يدفع ثمن الجهاز الملائم، وبالتالي من لديه خمس نوافذ لا يستطيع أن يضع أربعة كاميرات ويترك النافذة الخامسة بلا حماية. لا شيء، بكلام آخر، اسمه: “بيمشي الحال” في نظام الحماية، فالحماية الناقصة تُخرق.

 

الخزنة الحديدية قد تُخرق أيضاً خلال وقتٍ محدد إذا لم يتم التصدي للسارق وكان له متسع من الوقت “لفعلِ فعلته”. لذا لا بُدّ من تأخير اللصّ ومن وضع العقبات في طريقه. لهذا إذا كنتم تريدون ضمانة أكبر ضدّ السرقة لا تثقوا بكاميرا أو بخزنة أو بجهاز إنذار بل بحماية كاملة.

 

رفعت ذات يوم إحدى الشركات دعوى على الجهة التي باعتها خزنة بحجة أنها خلعت وسُرقت لكن الدعوى سقطت بعد أن تبين أن شركة الحماية سألت الشاري كم تحتاجون الى وقت حماية فأجاب: بين يومين وثلاثة وهذا ما تمّ. ماذا يعني هذا الكلام؟ المقصود القول أن ردة الفعل يفترض أن تكون سريعة، بمعنى أن يكون جهاز الحماية مربوطاً بمتلقٍ، سريع البديهة، قادر أن يعطي أي معلومة تصله عن أي خطأ يحدث خلال وقت محدد. ماذا يعني هذا أكثر؟ معناه أننا كلنا معرضون!

 

فلنأخذ نفساً عميقاً ونتابع. التأمين ضد التفجير والسرقات هو علم قائم في ذاته. ثمة دروس يفترض أن يخضع لها من يريد أن يحصل على أعلى درجات الأمان بينها أن يُحسن التصرف، غرائزياً، خلال الوقت الصعب. يفترض بالتالي إجراء بعض التجارب الوهمية، وكأن حادثاً فجائياً وقع ، لتحديد هذه القدرات وهذا ما فعله فندق “فور سيزون” في بيروت بعد أن حصل انفجار ستاركو. وما يجهله كثيرون ربما هو أن المطفأة تستخدم كي تساعد في بلوغ المخرج. والخزنة تساعد في ربح الوقت قبل أن يتمكن السارق من فتحها والإستيلاء عليها. ووجود كاميرا المراقبة تفسح المجال للتبليغ عن حصول السرقة وتجعل السارق يتردد قبل الإقدام.

 

نعود مجدداً الى كاميرات المراقبة، الكاميرات التي لا تعمل كل شيء في آن واحد. ثمة كاميرات مراقبة تعمل على التقاط الوجوه وهناك كاميرات تلتقط لوحات السيارات في الليل والنهار. وهناك كاميرات قادرة أن تحدد حتى نوع العملة الموجودة بين يدي شخص ما. الكاميرا مثل كوب النيسكافيه الذي قد تكون فيه ملعقة أو اثنتان أو ثلاث ملاعق وربما أكثر. والكاميرا التي توضع لمراقبة مكان مساحته مئة متر تختلف فعاليتها عن تلك، من النوعية نفسها، التي تراقب مئتي متر.

 

لأن الأمن من مسؤوليات “الدولة” نسألها، نحن نأخذ إحتياطاتنا لكن ماذا عن إحتياطاتكِ أنتِ؟

 

اللبنانيون اليوم في الدرك الصعب. ظلامٌ في كلّ مكان والأمن والأمان، كما المال والطعام، في خبر كان!

 

بالأرقام!

 

 

إحصاءات 2016- 2017- 2018-2019 (من دون كانون الأول 2019)

 

النشل: 2016 (640)- 2017 (458)- 2018 (426)- 2019 (639)

 

سيارات مسروقة: 2016 (866)- 2017 (771)- 2018 (743)- 2019 (612)

 

سلب: 2016 (378)- 2017 (362)- 2018 (240)- 2019 (210)

 

سطو مسلح: 2016 (2)- 2017 (7)- 2018 (1)- 2019 (3)

 

 

بطيئون حتى العجز!

 

 

 

في بريطانيا، ممنوع الإحتفاظ بالصوّر التي تلتقطها كاميرات المراقبة أكثر من يومين، بينما مسموح في مصارف لبنان أن تبقى هذه الصوّر مدة ستة أشهر! يعني حركات البشر تبقى في ذاكرة الهارديسك في لبناننا مدة ستة أشهر وهذا، في منطق الحماية العالمية، يعتبر اعتداءً على الحريات العامة.

 

ما الحجة؟

 

انه البطء اللبناني في التعامل مع الأحداث!

 

وفي إيطاليا، على سبيل المثال لا الحصر، ممنوع تصوير الموظف وهو يعمل، أما هنا فلا قانون يحمي من إنتهاك الخصوصية ولا من إنتهاكات المجرمين.