كلام رئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن يُعتمد في لبنان وثيقة ثالثة تضاف الى الوثيقتين الإثنتين المهمتين: خطاب القسم والبيان الوزاري الذي تقدمت الحكومة بطلب نيل ثقة مجلس النواب على أساسه.
بمنطق تحدث الرئيس ميشال عون، وبواقعية، وبعقلانية، حدد الداء ووصف الدواء وحسم الموقف. تناول مسألتي النزوح واللجوء بكلام واضح وصريح ومباشر لا يقبل لبساً ولا غموضاً. ولكنه، في آن معاً، كلام بعيد عن العنتريات والمواقف المتشنجة والهوبرات. وفي الوقت ذاته، ايضاً، كان كلاماً جازماً قاطعاً. فلبنان لن يسمح بالتوطين وسيعمل على إسقاطه.
وهذه العبارة بقدر ما هي موقف لبناني مبدئي ودستوري وميثاقي وحوله إجماع وطني، بقدر ما اقتضته اللحظة «الترامبية»… فالرئيس الأميركي سلّفنا كلاماً على التوطين أثار مخاوف حقيقية في مختلف الأوساط اللبنانية وتردد صداه من الناقورة الى النهر الكبير، ومن الشاطىء الى ذرى الجبال، وأيضاً في بلدان الإنتشار اللبناني.
ولعلّ أهمية كلام الرئيس في الأمم المتحدة أنه تناول هذه النقطة بمسؤولية هادئة… فجاء رده على الرئيس دونالد ترامب متّسماً بالروية وبالرصانة، خصوصاً بالمنطق.
ولقد يكون من أهم ما في الخطاب الرئاسي أنه لقي إجماعاً وطنياً. فهي من المرات النادرة، في العقود الأربعة الأخيرة التي يتحدّث مسؤول كبير، بل المرجعية الأولى في البلد، من دون أن ينقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض، وموافق ومعترض، ومادح وشتام. وهذه تُسجل لفخامة الرئيس عون، بالرغم من دقة المرحلة وصعوبتها وحساسية الموضوعات التي أثيرت في الخطاب اللبناني من على أعلى منبر أممي.
ثمّ إنّ طرح الرئيس عون طلب لبنان من الدول دعم إعتماده مقراً عالمياً دائماً لحوار الأديان والثقافات جاء معزّزاً بما يمكن تسميته «الأسباب الموجبة» التي أسهب فخامته في تقديمها وهي، بالتأكيد، خاصيّة لبنانية يتفرد بها لبنان عن سائر دول العالم من دون إستثناء تجعله مهيأ، عن جدارة واستحقاق، ليكون مقراً لهذا الحوار الدائم… ولم يفت الرئيس أن يطالب بأن يكون هذا المركز الدائم واحداً من الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة. وفي تقديرنا أنه ما من دولة في العالم إلاّ وستتجاوب مع هذا المطلب اللبناني المحق. أو هذا ما نأمل.