Site icon IMLebanon

الثالثة ثابتة: عون الأول.. وتكريس رئاسة «التيار»

خرج العونيون، وعلى رأسهم الجنرال ميشال عون، ومن بعده «الرئيس» جبران باسيل، من اختبار الشارع بنجاح لافت، سجّل لهم احتفاظهم بعلامة التفوق في تعبئة جمهورهم.

نجح العونيون في تحدي تثبيت معادلتهم الذهبية وبأنّهم لا يزالون «ملوك» الساحة، حتى لو نافسهم عليها حراك مدنيّ جمع منتفضين على طبقة سياسية «طلعت ريحتها»… ولكن حين يقرر «الختيار» إبراز عضلاته الشعبية، فسيبدو شاباً في مقتبل العمر.

فقد تمكن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» من تذكير من تناسى أنه لا يزال الأقوى، لا بل الأول بين «رفاقه» أقطاب الموارنة، وأن عرشه بين ناسه لم يهتز أبداً. وأثبت جبران باسيل أنّ انتخابه رئيساً لـ «التيار»، ولو بالتوافق وبالتزكية، شرعيّ بمصادقة القاعدة البرتقالية.

قبل ساعات من بدء التجمعات البرتقالية في المناطق للتوجه الى ساحة الشهداء للمطالبة بـ «مسحوق تنظيف انتخابي» يزيل تراكمات الماضي، كتب الناشط العوني باتريك رزق الله «المفصول» منذ أيام قليلة من «التيار» على جداره الفايسبوكي: «سأختلف بالتكتيك مع ميشال عون حتى يوم القيامة، وهذا حقي الطبيعي. ولكن أنا مشارك إيماناً مني بما يجمعنا في الاستراتيجيا والهدف. أما في التكتيك، فيبقى بيننا صولات وجولات».

قد تكون هذه العبارات القليلة أكثر من معبّرة عن المزاج البرتقالي في هذا اليوم بالذات. وقد تكون أيضاً واحداً من الأهداف المكتومة التي صوّبت عليها الرابية، بجنرالها السلف ورئيسها الخلف، لتسجيلها من التحرك الميداني في الشارع.

ثمة من يعتقد أنّ الاستعراض الذي أراده «التيار» بالصوت والصورة واللون، في الساحة ذاتها التي دونتها «طلعت ريحتكم» وأخواتها باسمها بعدما حشدت ألوفاً من الناس «القرفانين» من الوضع، هو لتثبيت «شرعية» انتخاب باسيل رئيساً بالتزكية، وإعادة شدشدة عصب «التيار» بعد سنوات من التراخي والفوضى.

ولكن هذا العامل لا يختزل كل المشهد. كثيرة هي الاعتبارات التي دفعت بقيادة «التيار الوطني الحر» العتيدة، الى التعامل مع «النزلة» الثالثة الى الشارع بكثير من الحزم والعناية لتكون «ثابتة» غير قابلة للتشكيك بقدرات الخزان البرتقالي التعبوي.

هناك «سلّة حوافز» حمّست الرابية على إمساك العصا من طرفيها: يد تمسك بطرف الطاولة الحوارية التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لترك خيط التواصل قائمأً مع القوى السياسية، ويد أخرى تقبض على ورقة الحراك الشعبي لتقول للأقربين قبل الأبعدين: لا نزال أسياد الشارع.

ومع أنّ بعض الأصدقاء حاولوا خلال الأيام الأخيرة إقناع الجنرال بالعدول عن هذه الفكرة، خشية أن لا يأتي الرهان على الحشد الجماهيري في محله، وكي لا تحفر نقطة سوداء في سجل «التيار» ستحسب عليه بالسياسة في زمن الاستحقاقات المصيرية، فقد أصرّ الرجل على أن إبراز عضلاته ليواجه الاختبار بقلب قوي.

هو يعرف جيداً أنّ هذا المشهد هو أكثر ما يثير عنفوان أبنائه ويدفعهم الى تجاوز كل خلافاتهم واعتراضاتهم ليمسكوا أيديهم بأيدي بعض، ويقدموا مشهداً متكاملاً يخلو من الشوائب الداخلية. وبالفعل، فقد صدقت توقعاته، ونجح الاستنفار العام في استقطاب العونيين من كل المناطق، وتناسوا تمايزاتهم وأسباب تباعدهم.

هو الأكثر قدرة على التقليل من تبعات الخضات الداخلية من خلال تصديرها الى الخارج والتركيز على الأزمات الوطنية، سواء من خلال الشكوى من محاولة «كسر» التيار واستهدافه أو من خلال رفع لافتة قانون الانتخابات الاستقطابية.

ورغم الكتلتين النيابية والوزارية اللتين تمثّلان «التيار الوطني الحر» في مجلس النواب والحكومة، فإنّ الجنرال مقتنع بأنّ قوته تنبع من القاعدة الشعبية، من «التسونامي» التي حققها في العام 2005 و «قاشوش» المقاعد الذي فرضه في العام 2009.

بالتالي إنّ زركه في خانة التراجع الجماهيري سيُفقده واحدة من أوراق قوته، وسيدفع الآخرين الى استخدام لغة الابتزاز بوجهه. وهذا ما يسعى الى إبعاده، للتأكيد أنه لا يزال الأقوى، ويستحيل بالتالي تجاوزه، سواء على طاولة الحوار المكشوفة، أو على الموائد المستورة.

ولكن في المقابل، هناك من يسأل: كيف يمكن صرف هذا التجييش في السياسة؟ كيف يحصل «التقريش»؟

بنظر هؤلاء انه لا مجال لاستثمار هذه الحركة في أي موقع سياسي في الوقت الراهن، وتحديداً في صناديق الاقتراع التي تبقى أكثر الاستحقاقات تأثراً بالحراك التعبوي، وبالتالي ان النزول الى الشارع قد لا يقدم أو يؤخر في المشهد السياسي، بدليل ما قاله الوزير نهاد المشنوق، من دون أن يسمي «التيار» بالاسم حين توجّه الى المتظاهرين السياسيين بالقول إنّه «اذا كان للتأكيد على الحجم الشعبي، فنحن نوافق سلفاً ولا داعي لأحد أن يقوم باستعراض يؤكد فيه حجمه الشعبي».

ولهذا لا يمكن تجاوز السؤال: هل ستلغي هذه التظاهرة، التي توّجت جبران باسيل رئيساً لـ«التيار»، الحالة الخلافية التي لا تزال قائمة داخل التنظيم الفتيّ؟ وبالعكس، ألم تثبت الحاجة الى كل المكونات البرتقالية للاستمرار كحزب مؤثر على الساحة اللبنانية؟ وهل يمكن لهذا المشهد أن يعالج شظايا الخلافات مع الحلفاء؟