IMLebanon

الرايخ الثالث.. الفارسي 

«يحاصرنا كالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر» نزار قباني

لا يمكن الاختلاف على أن الحرب العالمية الثانية كانت أكبر كارثة صنعها الإنسان في تاريخ البشرية الموثق. قد تتعدد أسباب اندلاعها في الأول من أيلول سنة 1939 يوم اجتاح الجيش النازي بولندا بلمح البصر، لكن لا يمكن الاختلاف على أن السعي النازي لتوسيع رقعة سلطته لتضم كل «الانتشار» الألماني في أوروبا كان أحد أهم مسوغات الحرب، بداية بضم النمسا مروراً باجتياح تشيكوسلوفاكيا، وصولاً إلى جيب «دانزينغ» في بولندا، كل تلك البلدان كانت تحوي عناصر ألمانية وازنة.

ومن الواضح أن الخلاف بدأ في تحديد من هو المواطن الألماني ما بين «الرايخ الثاني» الذي أسسه «أوتوفون بسمارك» سنة و«الرايخ الثالث» الذي قاده «أدولف هتلر».

بالنسبة الى الرايخ الثاني، فقد ظهر تعبير «المواطن الألماني» ويعني من يقيم ضمن حدود ألمانيا الموحدة بغض النظر عن أصوله العرقية. أما في عهد الرايخ الثالث النازي فقد ظهر تعبير «الشعب الألماني» و«الأمة الألمانية»، وكان المقصود هو كل من هم من اصول ألمانية بغض النظر عن انتشارهم أو وجودهم في أي بقعة من أوروبا، أو حتى في العالم.

لقد اقتنع هتلر بأن العرق الجرماني هو الأنقى بين الأعراق، واعتبر نفسه نبي الأمة الألمانية أو أكثر، والمصيبة أن الشعب الألماني اقتنع أيضاً بما قاله هتلر واقتنع في الوقت نفسه بنبوته، وحتمية انتصار فكرته حول توحيد أوروبا تحت راية النازية.

الجدير ذكره هو أن الانتشار الألماني في أوروبا كان واسع النطاق، وكان في معظم الأحيان متأقلماً مع التعددية الإتنية، وقد أكدت الوقائع الموثقة أن اللغة الألمانية كانت تُحكى بشكل طبيعي مع لغات أخرى. والحقيقة الثانية هي أن الأقليات الألمانية كانت متداخلة مع الأقليات اليهودية (الاشكينازية) التي تتكلم الألمانية هي أيضاً (لغة «اليديش» اليهودية الغربية هي إحدى اشتقاقات الألمانية).

قبيل الحرب الثانية كان هناك مليون ألماني اتني في بولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وبلغاريا والنمسا وسويسرا والاتحاد السوفياتي. وبالإجمال فقد لعب هؤلاء دوراً مهماً في تسهيل عملية إسقاط أوروبا في أيدي النازية قبيل الحرب وخلالها.

البقية أصبحت معروفة، فقد كان يكفي قرار الشعوب الأخرى بالمقاومة والمواجهة لهزيمة أحلام «الرايخ الثالث» أو النسخة الثالثة من «الإمبراطورية الرومانية المقدسة» لكن الثمن كان مروعاً.

في منطقتنا هناك حلم بامبراطورية فارسية هي الرايخ الثالث الفارسي بعد الإمبراطورية الأولى التي أسسها «قورش الأخميني» في القرن السادس ق.م.، والإمبراطورية الثانية التي أسسها «اسماعيل شاه الصفوي» في القرن السادس عشر وهو الذي فرض العقيدة الإثني عشرية على مناطق نفوذه، أما الإمبراطورية الثالثة فهي التي انطلقت عشية عودة «آية الله الخميني» إلى إيران سنة تحت شعار الثورة الإسلامية (انقلاب) وقرر مباشرة أن يتمدد بمفاعيل هذه الثورة إلى محيطه الأقرب في العراق، فاشتعلت حرب الخليج الأولى، ومن ثم إلى لبنان سنة بعد أن اغتنم فرصة الفراغ الذي خلقه الإجتياح الإسرائيلي.

الإمبراطورية الثالثة الفارسية استعاضت عن الانتشار الإتني بالانتشار المذهبي للشيعة في المنطقة، وليس صدفة أن كل الحراك الفارسي تركز في الدول العربية حيث ينتشر الشيعة مع تفرعاتهم المذهبية.

مع الخميني عاد حلم إنتاج «دولة إسلامية» تحت راية حاكم مطلق «جامع للشرائط» «تفوق سلطته حتى ما منح للنبي الأكرم» حسب قوله.

وكما كان هتلر يقول إن العنصر الجرماني كان أشرف العناصر، فإن أتباع منظومة الخميني يدعون أنفسهم «أشرف الناس».

تجربة الرايخ الثالث النازي معروفة بأنها أسوأ تجربة بشرية عبر التاريخ، وتجربة الرايخ الثالث الفارسي لم تنتج حتى اليوم إلا مآسي مستمرة في المنطقة، فهل يكون الاتفاق النووي مقدمة لتفكيك الكارثة الإقليمية، أم أن ما يحدث ما هو محطة على طريق الكارثة الكبرى؟

الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.