Site icon IMLebanon

الجمهورية الثالثة

لطالما شكّل سلاح حزب الله منذ توقيع اتّفاق الطائف واستثنائه من القرار المتعلّق ببسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية مسألة خلافية بين الفرقاء السياسيين. لقد أُدرجت مسألة السلاح بعد خروج القوات السورية من لبنان في العام 2005 على جدول جلسات الحوار كجزء من الاستراتيجية الدفاعية تحت عناوين عديدة تراوحت بين المطالبة بنزعه أو باستيعابه المرحلي ضمن سلاح الجيش. وقد قدّمت الظروف الإقليمية الناجمة عن تفاقم التمدد الإيراني في العراق، وانغماس إيران في الحرب السورية واليمنية وبلوغ الصراع الإيراني مع دول الخليج ذروته، مناخات مناسبة لإعطاء هذا السلاح أدواراً عابرة للحدود ووضعته على تقاطعات مصالح إقليمية تجاوزت بكثير دوره في لبنان. أخرج السياسيون في لبنان مسألة سلاح حزب الله من دورها الخلافي الداخلي الذي عطّل عجلة العمل الحكومي، واتّفقوا على وضعها في إطار القضايا التي تتجاوز إمكانات حزب الله والتي لا يعود إليه اتّخاذ القرار بشأنها. وبخلاف وتيرة تصاعد أو هبوط دور الحزب لم يُجمع السياسيون في لبنان يوماً على موقف واحد من هذا السلاح، وحافظت رئاسة الجمهورية على مسافة واحدة من المواقف كافة بما يراعي ضرورة السعي لتحقيق سيادة الدولة واعتبار حزب الله فريقاً سياسياً لبنانياً على مستوى الداخل، وبما يتوافق مع سياسة لبنان العربية بحيث يدفع نحو تفهّم الخصوصية اللبنانية ولا يفاقم حساسية دول الخليج العربي التي تعاني من النفوذ الإيراني ومن الخطاب العدائي لحزب الله تجاهها.

هي المرة الأولى التي يتخلى فيها رئيس الجمهورية عن دوره الوسطي بين اللبنانيين، فيقدّم تموضعاً لسلاح حزب الله ضمن الهيكلية الحكومية للدولة اللبنانية بقوله:«إنّ سلاح حزب الله مكمّل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بل هو جزء أساسي من الدفاع عن لبنان ولا يتناقض مع مشروع الدولة». إنّ خطورة هذا الموقف لا تنحصر بعدم مراعاة التضامن الهش بين المكوّنات السياسية، بل تتعدّى ذلك لتفاقم الإنقسام العامودي في بنية المجتمع. إنّ الموقف من سلاح حزب الله ليس خلافاً بين الزعامات السياسية بل هو انقسام ضارب في عمق التركيبة اللبنانية السياسية والمذهبية، وإنّ لهذا الموقف ارتداداته على نظرة الشريحة الكبرى من اللبنانيين مسيحيين ومسلمين نحو موقع رئاسة الجمهورية. ثم كيف يمكن تحميل لبنان تبعات هذا الموقف عربياً ودولياً في ظلّ التوتر العربي الإيراني في أكثر من ملف إقليمي، وفي ظلّ تصاعد التوتر الأميركي الإيراني؟ وكيف يُمكن تسويق هذا الإعتراف بأنّ حزب الله هو جزء من المنظومة الدفاعية الوطنية في الجنوب أمام المجتمع الدولي، ولا سيما أمام مجلس الأمن الدولي الذي ينشر أكثر من عشرة آلاف جندي في جنوب لبنان تطبيقاً للقرار1701. وإذا أضفنا إلى هذا الموقف الإعتراف بدور الرئيس الأسد المركزي في حفظ الأمن في سوريا بصرف النظر عن موقف الحكومة اللبنانية والمواقف العربية من هذا الموضوع ومآل التسوية السياسية المرتقبة، لتكوّنت لدينا مقوّمات أساسية لسياسة خارجية للبنان لها ارتداداتها الإقليمية والدولية.

فهل تنفرد رئاسة الجمهورية في إعلان سياسة خارجية للبنان بالحلول مكان المؤسسة الدستورية المولجة بذلك؟ وهل نحن أمام دينامية تريد تكريس أعراف مخالفة للدستور تضاف إلى ما تمّ تكريسه حتى الآن من تآكلٍ في الصلاحيات المنوطة بمجلس الوزراء والتداخل السلبي لصالح رئاسة الجمهورية بعد إخفاق مجلس الوزراء في مناقشة جدول أعماله لا سيما البند المتعلّق بتشكيل هيئة الإشراف على الإنتخابات؟ ومما لا شكّ فيه أنّ مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، الذي تنصّ عليه المادة 44 من قانون الإنتخابات 25/2008 المعمول به، سيلاقي المصير نفسه!!!

إنّ كل ذلك هو خير دليل على استسهال القفز فوق أي قرار يتّخذه مجلس الوزراء وفوق النص الدستوري المُلزم…. فهل لا زلنا فعلاً في جمهورية برلمانية ديمقراطية يقوم نظامها على مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها كما ورد في مقدّمة الدستور؟ وهل تتّجه هذه الجمهورية فعلاً إلى تطبيق اتّفاق الطائف كما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري؟ وهل لا زالت السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة ؟

إنّ أقل من أربعة أشهر على إنهاء الشغور الرئاسي وأقل من شهر ونصف على نيل الحكومة الثقة كانت أكثر من كافية لتعليق العمل بدستور الطائف. فهل هذا ما عناه الرئيس في حديثه لمحطة CBC الفضائية المصرية «لقد أوقفنا الفراغ في السلطة؟ وهل هذه مقدّمات لإعلان الجمهورية الثالثة؟

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات