بعد الهزّة التي تعرضت لها الحكومة جراء استغلال عدد من الوزراء للالتباس الحاصل في آلية عملها، بترجيح رأي رئيسها تمام سلام المعتمد على نص المادة 65 من الدستور والتي تبيّن أن التوافق لا يعني الإجماع كما يرى هؤلاء الوزراء المشاكسين، عادت الحكومة تمارس عملها بشكل طبيعي على أمل أن يكون الوزراء المشاكسون استفادوا من سلوكهم السابق، وأدركوا أن الذهاب بعيداً في هذا السلوك من شأنه أن يضع الحكومة أمام أصعب الخيارات وهي الاستقالة ما دامت بفضل المشاكسة لم تعد قادرة على تسيير شؤون البلاد والعباد، فيما المطلوب منها وبإلحاح تحمّل مسؤولياتها وممارسة صلاحياتها تبعاً لما ينص عليه الدستور في مادته الـ65، وفي مواد أخرى تلزم رئيس الجمهورية بالتوقيع على المراسيم التي يتخذها مجلس الوزراء في خلال مهلة 15 يوماً، وفي حال امتناعه عن التوقيع تصبح نافذة حكماً.
ولا بد في هذه المناسبة من الاعتراف للرئيس سلام بالجهود الحثيثة التي بذلها ليس لإنقاذ الحكومة بالعودة إلى تطبيق دستور الطائف ولكن بإنقاذ الجمهورية مما كان مخبّأ لها أي من الفراغ والضياع، على اعتبار أن في استقالتها يعمّ الفراغ في المؤسسات الدستورية أي في رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وتغرق البلاد في الفوضى بحيث يصبح المؤتمر التأسيسي الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة أمراً لا بد منه للبحث عن كيفية قيام الجمهورية الثالثة.
ولا نقول هذا الكلام بمناسبة إعلان الرئيس السابق ميشال سليمان عن قرب موعد قيام تجمّع سياسي لإقامة الجمهورية الثالثة بل لأن لو لم ينجح الرئيس سلام في استعادة المبادرة ولجم الوزراء المشاكسين أي بوضع حد لتصرفاتهم لكانت البلاد اليوم حكماً أمام مؤتمر تأسيسي للبحث عن الجمهورية الثالثة، وسيسجل التاريخ للرئيس سلام هذا الدور الذي لعبه للحفاظ على الجمهورية، وهو على أي حال ليس غريباً على هذا البيت الذي يشهد له التاريخ بمحبته لشعب لبنان ودفاعه عن الجمهورية بنظامها الديمقراطي البرلماني.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لإطلاق سلسلة من مشاريع القوانين الضرورية لتسيير عجلة الحكم بعد الجمود الذي سيطر على كل مفاصل الدولة ومرافقها، وبعد حالة الضياع التي سيطرت على الشعب اللبناني في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة العربية ولبنان بوصفه جزءاً منها تعود الحركة السياسية الداخلية إلى طبيعتها بحثاً عن قواسم مشتركة بين الأفرقاء للخروج من الأزمة التي يمر بها الوطن والتي وصفت عن حق بأزمة نظام وأزمة مصير سواء على صعيد الحوار المسيحي – المسيحي الذي كان في فترة الأزمة الحكومية يراوح مكانه أو على صعيد الحوار الإسلامي – الإسلامي أو على صعيد تحريك مجلس النواب الممدّد له لاستعادة دوره التشريعي المفقود وسط تجدد الآمال بإمكانية الخروج من الضياع والدخول في مرحلة الحلول الجدية لاستعادة الدولة وللبقاء على النظام الديمقراطي البرلماني باعتبار أنه لا بديل عنه في ظل المتغيرات التي يشهدها الإقليم.