IMLebanon

المناقصة الثالثة للبواخر: دفتر شروط مخالف 

لا حل سوى في البواخر. هذه هي الحال منذ عام 2012. وقبل تحوله إلى تصريف الأعمال، أبى مجلس الوزراء إلا أن يحيي مناقصة الـ850 ميغاواط، لكن مع التسليم بملاحظات إدارة المناقصات. منذ ذلك التاريخ، لم يحصل تقدم كبير. أعدّت وزارة الطاقة دفتر شروط جديداً، لكنّ التدقيق فيه أظهر عدم التزامه بكل الملاحظات، وبالتالي عدم تطابقه مع قرار مجلس الوزراء
يشير مجلس الوزراء في القرار الرقم 84 تاريخ 21 أيار 2018 إلى «إطلاق مناقصة جديدة عبر إدارة المناقصات لشراء طاقة بقدرة حوالى 850 ميغاواط طارئة ومستعجلة في موقعي دير عمار والزهراني، وفتح الخيارات (استقدام معامل عائمة أو على البر ـــــ الاستجرار ـــــ التكنولوجيات ـــــ أنواع المحروقات)…».
بمعزل عن النقاش المتعلق بكيفية قيام حكومة بإقرار مشروع يكلّف الخزينة نحو مليار دولار قبل ساعات من تحولها إلى حكومة تصريف أعمال، فإن المناقصة تحولت نظرياً إلى أمر واقع. وقد سبق أن أشار القرار الحكومي بوضوح إلى أن المناقصة، التي تقرّ للمرة الثالثة، يجب أن تستند إلى اقتراح وزارة الطاقة بتمديد مهل تقديم العروض إلى 10 أسابيع ومهل تسليم الطاقة إلى حدود تسعة أشهر، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات إدارة المناقصات (على دفتر شروط المناقصة الأولى). وهذا يعني عملياً التسليم بأن إدارة المناقصات، التي خاضت مواجهة قاسية مع وزارة الطاقة ومن خلفها رئاسة الحكومة، لإثبات عدم قانونية دفتر الشروط السابق، بسبب تضييق هامش المنافسة، كانت على حق. لكن ماذا بعد؟

عقبات قانونية تعيق تمرير مناقصة البواخر قبل تشكيل الحكومة (هيثم الموسوي)

تشير المعلومات إلى أن وزارة الطاقة قد أعدّت دفتر الشروط، ملتزمة بقرار مجلس الوزراء، الداعي إلى الأخذ بملاحظات إدارة المناقصات (قدمت الإدارة ملاحظاتها إلى وزارة الطاقة في كتابين منفصلين في شهري آب وأيلول 2017). لكن التدقيق في هذا الدفتر يظهر أنه لم يراع كل ملاحظات «المناقصات»، وإن أخذ بالأهم منها، أي زيادة مهلة تقديم العروض من ثلاثة أسابيع إلى عشرة أسابيع، وزيادة مدة التنفيذ من «ما بين ثلاثة وستة أشهر» إلى تسعة أشهر (نص قرار مجلس الوزراء عليهما). وهما كانا العنصرين الأبرز اللذين أسهما في إلغاء المنافسة وتوجيه المناقصة نحو عارض وحيد.
في دفتر الشروط الجديد، الذي جاء مطابقاً لدفتر الشروط السابق إلى حدّ كبير، صحيح أن المنافسة قد فُتحت نظرياً، إلا أنها ظلت محصورة بخيار البحر، بحيث لم يُعطَ خيار البر، الذي تطرق إليه قرار مجلس الوزراء، أي فرصة فعلية لمنافسة خيار البحر، نظراً إلى حاجته إلى المزيد من الوقت لتنفيذه. وحتى مع فتح المنافسة في خيار البواخر، إلا أنه لا نقاش في أن الأفضلية بقيت لشركة كارادينيز التي تقوم بصناعة أكثر من باخرة حالياً (يشير موقعها الإلكتروني إلى وجود 18 باخرة قيد الإنشاء بقدرة 5000 ميغاواط)، لكن مع ذلك فإن إمكانية دخول منافس جدي خلال فترة الأشهر التسعة لا يزال متاحاً أمام أي عارض يمكن أن يتقدم إلى المناقصة، إذ تشير مصادر تقنية إلى أنه يمكن عملياً إعداد باخرة وتجهيزها بالمولدات خلال هذه الفترة.
أما بشأن خيار البر، فيشير دفتر الشروط إلى أن «اقتراح منشآت الأرض مقبول… على أن تتوفر فيها الشروط الفنية الملائمة وفقاً لتقدير وزير الطاقة والمياه، وفي حال اقتراح منشآت على أرض خاصة تستوفي الشروط المذكورة آنفاً، سوف يطلب من مجلس الوزراء تأمين استعمال هذه الأرض».
في النص السابق، يتبين أن خيار المعامل على الأرض محاصر بشروط وقيود غير موضوعية، أبرزها «تقدير وزير الطاقة والمياه»، ما يعني أن لا معيار واضحاً يضعه دفتر الشروط لكل العارضين الذين يتقدمون لخيار البر، بخلاف خيار البحر المحدد في الزهراني ودير عمار، الذي ارتأت الوزارة أو الدولة اللبنانية أنهما الأنسب لوصل البواخر. وبالتالي، فإن الوزارة، وفي سياق احترامها لعدالة الفرص وصحة المنافسة، كان يفترض بها أن تحدد مكان معامل البر تماماً كما حددت مكان المعامل العائمة. وإضافة إلى تقدير وزير الطاقة، فإن خيار البر مقيّد بموافقة مجلس الوزراء، ما يعني أنه لا يمكن إطلاق المناقصة في ظل وجود عرض يعتمد على خيار البر قبل تشكيل الحكومة.
إضافة إلى ذلك، فإن دفتر الشروط يتعامل مع خيار استجرار الطاقة كما لو أنه غير موجود، إذ لا إشارة إليه، تماماً كما لا يوجد إشارة إلى خيار تشغيل المعامل بالغاز المسال، بل اكتفاء بخياري الفيول الثقيل والديزل. وحتى مع افتراض أن هذين الخيارين هما المعتمدان حالياً، إلا أن الجميع يدرك أن الخيار الأمثل، أي الغاز المسال (الأوفر والأقل ضرراً على البيئة) هو الغاية المنشودة والتوجه الاستراتيجي للحكومة اللبنانية. وبالتالي، فإنه لا شيء يمنع أيّ عارض من تأمين الغاز على مسؤوليته، وهو أمر ليس صعباً عملياً، وممكن من خلال بواخر مجهزة لهذه الغاية.
من جهة أخرى، سبق لإدارة المناقصات أن دعت إلى تخفيض الضمان المؤقت الذي يدفعه العارضون المتقدمون إلى المناقصة، إذ إن مبلغ الخمسين مليون دولار المخصص لكل موقع هو مبلغ كبير ويحدّ من المنافسة، خاصة أن حجز هذا المبلغ ليس بالأمر اليسير، أضف إلى أن كلفته مرتفعة، والعارضون السابقون دفعوا ما يقارب نصف مليون دولار ثمناً لحجز الضمان، الذي أفرج عنه مجلس الوزراء في الجلسة الأخيرة، أي بعد أكثر من عام على حجزه. وعليه، فإن إشارة مجلس الوزراء في قراره إلى وجوب الأخذ بملاحظات إدارة المناقصات، كان يفترض تخفيض قيمة الضمان، لا سيما أن «المناقصات» سبق أن اقترحت تخفيضه إلى نحو 20 مليون دولار عن كل موقع، انطلاقاً من كونه مبلغاً عادلاً ويتناسب مع المعايير الدولية.
وللتذكير، فقد أتى قرار مجلس الوزراء المتعلق بتأمين طاقة إضافية بقدرة 850 ميغاواط معاكساً للاقتراحات التي تضمنها كتاب وزير الطاقة إلى مجلس الوزراء؛ فالوزير سيزار أبي خليل كان اقترح أن يبادر مجلس الوزراء إلى فضّ عروض البواخر التي سبق أن رفضت إدارة المناقصات السير بها والتفاوض مع العارضين، وصولاً إلى توقيع العقد مع العارض الأنسب، أو تكليف مؤسسة كهرباء لبنان إجراء استدراج عروض جديد وفقاً لأنظمتها ولدفتر شروط جديد.دفتر الشروط يعطي الأفضلية للبواخر على حساب معامل البر

لم يكن بين اقتراحات أبي خليل أي اقتراح يشير إلى إجراء مناقصة جديدة عبر إدارة المناقصات ومع الأخذ بملاحظاتها. ولذلك، ربما يكون مفهوماً عدم التقيد بكل ملاحظات إدارة المناقصات، لكن في المقابل، فإن عدم سير إدارة المناقصات بأي دفتر شروط لا تراه يتلاءم مع ملاحظاتها، سيعني عملياً تجميد الملف تماماً، إلى حين تشكيل حكومة جديدة وعودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بحيث يتمكن وزير الطاقة من رفع المسألة إلى المجلس لاتخاذ القرار بشأنها.
أما في حال عدّلت وزارة الطاقة دفتر الشروط وسارت به إدارة المناقصات، فهذا يعني عدم الحاجة إلى العودة إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه، كما حصل في المناقصة السابقة، ما يؤدي بالتالي إلى إعلان المناقصة وتقديم العارضين لعروضهم، وصولاً إلى فضّ هذه العروض وإعلان الفائزين. لكن، عند هذه المرحلة فقط، يصبح لزاماً العودة إلى مجلس الوزراء ليصدّق على نتيجة المناقصة وتوقيع العقد مع الفائز. إلا أن الأهم أن مجلس الوزراء سيكون ملزماً بإيجاد حل لمسألة عدم توفير اعتماد للصفقة، والذي درجت العادة على تأمينه قبل إطلاقها، علماً بأنه لم يعد أمامه سوى فتح الاعتماد والموافقة على العقد في الجلسة نفسها، أو ربما تكرار تجربة التعاقد مع الشركة التركية في عام 2012. حينذاك، اعتمدت آلية قضت بموافقة مجلس الوزراء (27/6/2012) على عقد البواخر الذي تضمن تأمين سلفة من وزارة المالية لتغطية الفترة المتبقية من 2012.
هذا يعني عملياً أن المناقصة أو نتيجتها لن تبصر النور قبل تشكيل الحكومة، وهذا يعني بالتالي إعادة فتح النقاش الكهربائي تقنياً وسياسياً. وإذ سبق أن اعترض وزراء حركة أمل على بند البواخر في الجلسة الأخيرة، حيث أعلن وزير المال علي حسن خليل حينها أنه «في البواخر كما كنا بقينا رافضين الصفقة وما يدور حولها، ولنا الشرف أننا صوّتنا ضدها»، فلا حاجة إلى السؤال عن تبدل الموقف أو ثباته. الإجابة كانت واضحة في تعامل حركة أمل مع الباخرة «Ersa Sultan» منذ أيام ورفضها رسوّها في الزهراني. فهل تكرر «الحركة» الأمر نفسه مع الباخرتين اللتين يشير قرار مجلس الوزراء إلى أن إحداهما سترسو قبالة معمل الزهراني أيضاً؟