رحم الله عاصي ومنصور الرحباني، واطال بعمر فيروز، كم كان هذا الفريق عظيماً في الكلمة واللحن والصوت والفكر، وكم كان رؤياويّاً ومحذّراً في آن معاً، وهو يدلّ على العيب في ممارسة السياسة في لبنان، وله في هذا المجال صولات وجولات ضمّنها في حوارات مسرحياته وغنّتها فيروز.
على ماذا كان عاصي ومنصور يؤشّران في اغنية فيروز:
هالسيارة مش عم تمشي، بدّا حدّا يدفشها دفشة
منحكي عَ ورشة تصليح وما منعرف وينيي الورشة
أليس على هذا الوضع البائس الذي نعيشه اليوم، وعشناه أمس وأول أمس، وسوف نعيشه غداً وبعد غد؟!.
هل هذه الموازنة التي اريد منها ان تكون ورشة اصلاح لانقاذ لبنان من الانهيار، هي التي حلم بها الفريق الرحباني، وتبيّن انها لا تمتّ الى الاصلاح بصلة او قرابة، بل هي مخلوق هجين وُلِدَ على يد هذه الطبقة السياسية، ولن يكون من أهل الحياة.
كيف يكون اصلاح، بوجود عشرات الآلاف من الموظفين، بعضهم يقبض ولا يحضر، وبعضهم يقبض ولا يعمل، وبعضهم يعمل ويقبض من الدولة ومن اصحاب المعاملات، والقلّة من الاشراف والاوادم يقبضون القليل ولا يرضون الاّ ان يكونوا من هذه الفئة، هؤلاء لا تهتم بهم الدولة لأنهم غير محسوبين على أصحاب البطون والجيوب المنفوخة.
كيف يكون اصلاح، وحكومة من رئيسها ووزرائها لا يعرفون ان قرار الحكومة لا يكسر القانون والدستور، كما حاولوا في آخر جلسة وزارية ان يعتدوا على وزير العمل، وهو مرجعية في القانون، وينزعوا صلاحياته الدستورية، بقرار سخيف منهم.
كيف يكون اصلاح، ان لم يبدأ من رأس الهرم، من رؤساء ووزراء ونواب وموظفين كباراً، يأكلون «وجه الصحاّرة» ويتركون الباقي للرعية، ولا يهم اذا كان قليلاً او عفناً.
كيف يكون اصلاح، وهناك مؤسسات ومجالس ومصالح، تنفق بالملايين والمليارات، من دون رقيب او حسيب، لانها محسوبة لهذا المسؤول او ذاك، وهذا المسؤول او ذاك، هو الطائفة او المذهب والمس بهم هو مس بالطوائف والمذاهب التي يعيش رؤساؤها ومن معهم على حساب الدولة.
كيف يكون اصلاح، وشواطئ البحر من الناقورة حتى الحدود مع سوريا، موزعة على المسؤولين ومحاسيبهم، يبنون عليها ويستثمرونها، والمواطن يدفع للدخول الى شاطئ هو ملكه وما يصح على البحر يصح ايضاً على الانهر والينابيع.
سبحة الفساد والفجور طويلة، يلزمها مجلّدات، والانهيار لم يعد بعيداً، لان حلم الرحابنة لن يتحقق على يد هذه الطبقة.
عذراً عاصي… عذراً منصور… عذراً فيروز.