تبقى التطوّرات على الساحة الدرزية هي حديث الساعة، نظراً لتداعيات ما جرى في بلدة «قلب لوزة»، بحيث خلقت اصطفافات درزية ـ درزية ارتدت سلباً على الشارع بين المكوّنات والشرائح والعائلات الدرزية على اختلاف انتماءاتها، الأمر الذي ظهر بوضوح من خلال المؤتمرات الصحافية المتنقّلة، والهوة الكبيرة التي ظهرت في مواقف القيادات.
وفي هذا السياق، تشير مصادر درزية إلى أن حراكاً مكثّفاً حصل في الأيام القليلة الماضية، وبقي بعيداً عن الأضواء، إذ عُلم أن مساعٍ جرت من قبل بعض المشايخ الدروز بغية عقد لقاء موسّع للقيادات الدرزية بهدف إصدار بيان يحظى بتوافق الجميع، لأن من شأن ذلك تخفيف حدّة الإصطفاف بين المرجعيات الدرزية، وبالتالي، فإن ذلك يؤدي إلى التهدئة على المستويين الداخلي، أي على الساحة الدرزية في لبنان، والأمر عينه على مستوى دروز سوريا. لكن هذه المساعي، تابعت الأجواء السياسية نفسها، لم يُكتب لها النجاح لجملة أسباب واعتبارات وهي كالأتي:
ـ النائب وليد جنبلاط لا يمكنه المهادنة والدعوة إلى التسلّح، وبالتالي استنفار العصب الدرزي وإطلاق الخطابات الحماسية والمذهبية، كونه من الأساس ضد النظام السوري، ويدعو دروز سوريا إلى عدم الإنزلاق والإنخراط في أتون الحرب التي يقودها النظام السوري ضد شعبه، كما يدعوهم إلى رفض التجنيد الإجباري وصولاً إلى تنسيقه مع المعارضة السورية، وهو لهذه الغاية التقى خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية رئيس الإئتلاف السوري خالد خوجة، وأيضاً بنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدّام الذي تجمعه به صداقة تاريخية، هذا بالإضافة إلى أن رئيس الحزب الإشتراكي يدرك أن قتال الدروز السوريين إلى جانب النظام ستكون له تداعيات سلبية مع جيرانهم، ويؤثّر أيضاً على علاقتهم مع محيطهم العربي، ولا سيما في دول الخليج العربي، حيث الأكثرية الدرزية تعمل في هذه الدول، وقد أصابها الهلع بعد كلام النائب طلال إرسلان، عندما تحدّث عن تمويل عربي لقتل الدروز، وقال ما حرفيته: «إن الدروز يُقتلون بمال عربي» ما يعني أنه يقصد بكل وضوح دول الخليج وفي مقدمتهم العربية السعودية.
ـ أما في ما يعني النائب طلال إرسلان، فهو على علاقة وثيقة بالرئيس السوري بشّار الأسد، وداعم للنظام، وكما صديقه النائب سليمان فرنجية، فهو على تواصل دائم مع الأسد، إضافة إلى خطوط مفتوحة مع الدروز في منطقة السويداء، لا سيما المنضوين منهم مع النظام من مشايخ وضباط ومسؤولين في حزب البعث العربي الإشتراكي. لذا، لا يمكن لإرسلان أن يشارك في أي اجتماع تتم فيه دعوة الدروز في سوريا للوقوف على الحياد، ولعلّ اعتباره بيان جبهة «النصرة»، والإعتذار عما حصل في بلدة «قلب لوزة» خديعة، إلا بمثابة ردّ مبطّن على النائب جنبلاط، كذلك أن إرسلان هو من دعاة التسلّح والقتال إلى جانب النظام.
ـ أما الوزير السابق وئام وهاب، فموقفه قريب من موقف النائب إرسلان السياسي، ولكنه لا يريد أي خضّة أمنية داخلية على الساحة اللبنانية، وهو متمسّك بدور المشايخ وموقفهم الداعي إلى وحدة الصف بين القيادات الدرزية، وعدم تحميل المواطنين الدروز من كل الشرائح السياسية في لبنان وزر مواقف القيادات، لأن التوافق ووحدة الصف أمران أساسيان بمعزل عن التباينات، وبالتالي، قد يكون وهاب الوحيد الذي قال: إني أحترم رأي النائب جنبلاط، ولا أشك بأنه يعمل إلا لحماية الدروز، وحريص على ذلك، مع الإختلاف في الضمانات والموقف السياسي، إضافة إلى إشارته لما كان أعلنه الوزير أكرم شهيّب، بمعنى أن لا ضمانات من أحد، وذلك على ضوء الإتصالات التي جرت بين القيادة الإشتراكية والدول الإقليمية.
وعلى هذه الخلفية، فإن ثمة استحالة لعقد لقاء موسّع، لأن ذلك يعني صدور بيان يتطرّق إلى ما جرى ويجري في منطقة السويداء، وهنالك هوّة كبيرة في المواقف السياسية، لكن المصادر المعنية، لا تستبعد حصول اتصالات بين القيادات الدرزية عبر أقنية متعدّدة، وما أشار إليه الوزير السابق وهاب قد يصبّ في هذا السياق، ويبقي الباب مفتوحاً بين القيادات الدرزية على مختلف مشاربها.