Site icon IMLebanon

هذه المنطقة العربية الميتة  

 

ما أحوج هذا العالم العربي الحزين إلى أشهر قساوسة مكّة قبل الإسلام، قس بن ساعدة الأيادي وإلى استعادة خطبته الشهيرة في سوق عكاظ: «أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئاً فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعِبَراً(…) ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرَضَوْا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا هناك فناموا؟ تباً لأربابِ الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية (…) يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين المريض والعوّاد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ أين من بنى وشيّد، وزخرف ونجّد؟ أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً، وأطول منكم آجالاً؟ طحنهم الثرى بكَلْكَلِه، ومزّقهم الدهر بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية(…)، ثم أنشد قس بن ساعدة بحكمته ما سيبقى سارياً علينا في كلّ آن وزمان، ولكن.. هيهات أن ننتفع أو نعتبر: «في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر/ لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر/ ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر/ لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر/ أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر».

 

مُعذَّبَة ومُعَذِّبَة هذه المنطقة التي قُدرت لنا الولادة فيها، أينما وجّهتَ وجهك ألفيت شعوب بلدانها مسلوبة منهوبة تصارع حتى الرمق الأخير لتعيش ويعيش أبناؤها كفاف أيامهم، وفي أيامهم ما يكفي من الذل والفقر والتآمر ما يدفع شعوباً تنحر نفسها من القهر، هل هذا هو ما قُدّرَ لنا، أم هو القيل والقال وتبادل التهم ومسؤوليات القتل والهرج والمرج والتباس الصور علينا واختلاطها وإحساسنا بالعجز التام والاستسلام؟!

أمّا في مشاهد المنطقة وحروبها فحدّث ولا حرج، ومع هذا الصراع العربي مشغول هذه الأيام بدولة صغيرة جداً إسمها قطر، كأنّ الحال قبلها ومعها أو بعدها لن يبقى على ما هو عليه، صارت كلّ الخيبات والنكبات سببها قطر، أكاد أظنّ أن ليس هناك فرقاً كبيراً بيننا وبين الشعوب التي توصف بالهمجية وبيننا وبينها مئات الآلاف من السنين، لا فرق بين همجيّة داعش وهمجيّة أميركا ولا همجيّة روسيا ولا همجيّة الصمت العربي والأوروبي، ولا في همجيّة نهش لحم بعضنا البعض!!

رحم الله الإمام الشافعي عندما اختصر في أبيات ثلاثة حال الزمان كلّ زمان، وحال أناس كل زمن في زمانهم، فقال: نعيب زماننا والعيب فينا/ وما لزماننا عيبٌ سوانا/ ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ/ ولو نطق الزمان لنا هجانا/ وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ/ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا»، هي تداعيات فاجأتني وكلمات رؤساء العالم خصوصاً العرب وهي «تُدلق» على رؤوسنا كجردل مياه مثلجة!