من حق الناس أن يتظاهروا احتجاجاً على السلطة واستفزازاتها. واجب الناس أن يستعملوا هذا الحق. أصبح عبء السلطة على الناس ثقيلاً. هذه السلطة مكلفة للناس. كلفتها عالية. الجميع يعرفون شأن الدين العام والموازنة وكيفية الجباية والإنفاق، والمبالغ التي تثقل كاهل المواطن وتجبر الناس على الهجرة.
السلطة ليست مجلس الوزراء وحده، ولا مجلس النواب وحده، ولا رئاسة الجمهورية وحدها، ولا البيروقراطية وحدها. كلها فراغ. عندما يفرغ رأس الدولة، تفرغ الدولة كلها لكن النظام موجود. والنظام سلطة ثقيلة. وهي واحد. المجتمع في مواجهة السلطة لأن المجتمع لم يعد يتحمل الأعباء. تعرف السلطة ذلك. تسعى للحفاظ على نفسها بالطائفية؛ وهي باختصار، هذه المرة، وضع اللوم على طرف من أطراف السلطة من دون الأطراف الأخرى.
يعرف أطراف السلطة جميعهم أن معالجة مشكلة النفايات الصلبة بالطريقة التي حدثت هي خاطئة بالشكل والمضمون؛ والأكثر هي مخالفة للقانون. جميع الأطراف شاركوا في لجنة فض العروض الوزارية. جميعهم يعرفون. وإذا كانوا لا يعرفون فالمصيبة أكبر. تهريج هذا الوزير أو ذاك، في هذه المسألة أو غيرها، نابع من هذا النظام الذي يشارك الكل فيه.
الدولة فقيرة ومديونة. نعم. الشعب فقير ومديون. نعم. لكن هناك طبقة غنية. ثروتها ليست نتاج عملها بل اقتطاع من عمل الناس. تضع هذه الطبقة أسواراً حول نفسها. تخفي نفسها عن الناس. لا تريد أن يعرف المجتمع بما يصيبه. الأسوار العنصرية، وهي في حقيقتها أسوار طبقية تنتشر حول الكرة الأرضية في زمن العولمة: لبنان، السعودية، مقدونيا، المجر، الولايات المتحدة، تجتهد كي تضع في البحار، خاصة البحر المتوسط، أسواراً، ضد الهجرة والمهاجرين، ضد الفقراء الذين يهيمون على وجوههم. الأسوار حول السرايا، وحول المجلس النيابي، وحول مقر هذا وذاك، ليست بدعة. هي في أساس نظام الفصل الطبقي. الطائفية شكل من أشكال الفصل والعزل الطبقيين.
رأينا في الأيام الأخيرة مختلف أنواع القمع للمتظاهرين. سواء كان ذلك صادراً عن السلطة أو عن جماعات من «القطاع الخاص». لا فرق بين القطاع العام والقطاع الخاص سوى في التسمية. طبقة عليا صادرت الدولة، والآن تحاول إعادة تشكيلها.
ما يجري في مخيم عين الحلوة ليس حدثاً عابراً ولا ثانوياً. ربما كان ما يجري في بيروت أقل أهمية في تقرير مصير لبنان، أو على الأقل تقرير مسار الأمور فيه. الهدف هو الوصول إلى حل جذري على يد إسلاميي «داعش» لا إلى تسوية كما تعودنا بين فتح والدولة اللبنانية. السكوت عما يجري في عين الحلوة عام ومريب.
التسوية ممكنة هنا وهناك، وكل منهما ترتبط بالأخرى. لكن هل المقصود رفض التسوية هنا كي ترفض هناك. هل نسي اللبنانيون منطق التسوية. هل نسوا السياسة، ضمانة بقاء بناء الدولة؟
لكن التسوية ممكنة بعد سد فراغ النظام وعودة مؤسساته للعمل الطبيعي. وذلك لعودة سلطة يمكن النضال ضدها، ومن أجل تشكيل نظام يمكن أن يجترح تسوية في عين الحلوة وفي غيرها. بالتراكم، تراكم تسويات، يكون الإصلاح والتغيير، خاصة في لبنان.