الرئاسة والمؤسسة العسكرية: وجهان لمعركة واحدة
بات واضحا ان الاسباب التي تمنع انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، هي ذاتها التي تمنع حتى الآن التوافق على اختيار العميد شامل روكز قائدا للجيش، اي ان أغلب المعترضين على الاول هم انفسهم لا يتحمسون للثاني ولو ضمنا، بعدما أصبحوا يجدون فيه امتدادا سياسيا وعائليا للجنرال، برغم انهم يعترفون في الظاهر بجدارته الشخصية.
ولئن كان يُروى ان الرئيس سعد الحريري ابلغ عون موافقته على تعيين روكز، ثم أبلغ الرئيس نبيه بري تفضيله التمديد للقادة الامنيين، فان ما يوحي به «المستقبل» هو ان مرشحه الاساسي يبقى «اللاشغور»، إذ يؤكد مصدر بارز فيه ان المعيار الثابت للتيار هو رفض الشغور في قيادة الجيش، «ما يعني انه في حال تعذر تأمين ثلثي الاصوات في مجلس الوزراء لاختيار قائد جديد، فلا مفر عندها من التمديد للعماد جان قهوجي، على قاعدة ان التمديد أفضل من الفراغ، أو أقل سوءا منه».
ويتجنب المصدر تحديد موقف واضح من خيار روكز، لافتا الانتباه الى انه يُفترض ان تُطرح الاسماء المقترحة لقيادة المؤسسة العسكرية على طاولة مجلس الوزراء، حيث يتم النقاش ويُتخذ القرار، «أما الموقف النهائي لـ «المستقبل» فيُبحث في غرفة مغلقة، وليس على الملأ».
ويعتبر «الواقعيون» ان التمديد لقهوجي سيكون بمثابة ممر إلزامي إذا أخفق مجلس الوزراء في تعيين بديل عنه، لافتين الانتباه الى ان الجيش، بقيادته، حقق انجازات نوعية في مواجهة الارهاب، من حسم معركة عبرا الى حسم معركة طرابلس واستعادة المبادرة في الجرود الشرقية مرورا بالضربات الموجعة والمتلاحقة التي تتلقاها الخلايا والمجموعات الارهابية، وبالتالي فان بقاء قهوجي في موقعه في هذه الفترة، إذا اقتضت الضرورة، سيسمح باستمرار الزخم الحالي.
في المقابل، يشدد المتحمسون لوصول روكز الى قيادة الجيش على ان الرجل صاحب تصور واضح لما يجب ان تكون عليه المؤسسة العسكرية في المستقبل، بل ان هناك من يقول انه يحمل مشروعا متكاملا لتطويرها والبناء على ما أنجزه القادة الآخرون، وصولا الى جعل الجيش أكثر تكيفا مع التحديات الحالية والمقبلة.
ويؤكد أصحاب هذا الرأي ان روكز لا يأتي من فراغ ولا يذهب الى المجهول، وإنما يختزن من الخبرات والتجارب ما يجعله الشخص الأنسب لهذه المرحلة، لافتين الانتباه الى ان الرجل صنع سمعته العسكرية وانجازاته الميدانية، قبل ان تربطه صلة قربى مع عون، وبالتالي فلا يجوز تحديد الموقف منه على اساس مزاج شخصي او مقياس عائلي.
ويعتبر المؤيدون لخيار روكز ان عون ليس هو من يحاول شخصنة استحقاق قيادة الجيش، وربطه بحسابات عائلية كما يصور خصومه، بل الذين يفعلون ذلك هم أولئك الذين يسعون الى تعطيل حق روكز بتولي القيادة، فقط لان عون يدعمه او لان هناك صلة مصاهرة تربطه به.
ويرى هؤلاء ان ما يؤكد هذه الحقيقة اقرار الجميع، بمن فيهم خصوم عون، بكفاءة روكز وأهليته ليكون على رأس المؤسسة العسكرية، وهناك تسليم علني من معظم القوى في «8 و14 آذار» بأحقية هذا الضابط، لكن المفارقة انه عندما تقترب لحظة مواجهة الحقيقة ومحاكاة النيات، تدخل الاعتبارات الضيقة على الخط، وينبري البعض الى وضع العقبات امام روكز، من باب النكاية بعون وتصفية الحسابات معه.
ويشير أصحاب هذا الرأي الى انه من غير المقبول ان يسحب البعض خلافه مع عون او حساسيته حياله على روكز، وبالتالي من غير الجائز ان يصبح نمط التعامل مع ملف تعيين قائد الجيش امتدادا لنمط التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي، لافتين الانتباه الى ان هناك من يتصرف على قاعدة ان وصول روكز الى اليرزة سيكون انتصارا شخصيا للجنرال، في حين ان وصوله سيكون انتصارا للمناقبية العسكرية، لاسيما ان هناك اجماعا داخل الجيش على هذا الامر.
ويشدد «المبشرون» بروكز على ان الدعم الذي يحظى به من قبل عون لا يجب ان يكون عائقا امام تعيينه قائدا للجيش، متسائلين: لماذا يحق للرئيس سعد الحريري ان يُسمي رئيس فرع المعلومات، ويجري التسليم بان له افضلية او ارجحية في اختيار المدير العام لقوى الامن الداخلي، بينما يُستكثر على الجنرال ان يدعم اسما لقيادة المؤسسة العسكرية؟
ويعتبر أصحاب هذا الطرح ان مسألة تعيين روكز قائدا للجيش تتعدى حدود المركز الى ما هو أبعد منه بكثير، إذ انها تتصل مباشرة بمراعاة التوازنات الداخلية واحترام الشراكة مع المسيحيين، منبهين الى ان محاولة تعطيل هذه المعادلة حاليا على مستوى قيادة الجيش ستنطوي على رسالة سلبية للمسيحيين مفادها ان القرار بتهميش دورهم وحقوقهم لا يزال ساري المفعول، من رئاسة الجمهورية مرورا بقانون الانتخاب، وصولا الى المؤسسة العسكرية.