كشَفت التقارير الأمنية الأخيرة أنّ عناصر الجيش والقوى الأمنيّة باتت الهدف الأساس للمنظّمات الإرهابية، لكن بعيداً من ساحات المعركة، خلافاً لِما حصل في عرسال.
تحقَّقت «داعش» وجبهة النصرة» من صعوبة دخولها في معارك تقليدية طويلة مع الجيش، خصوصاً بعد المعارك الشرسة التي استبسَل فيها جنوده في عرسال، فلجأت الى تكتيكٍ جديد يقضي بتوسيع دائرة المواجهة مع المؤسّسات العسكرية والأمنية، بهدف تشتيت قواها، وإرباكها في عمليات نوعيّة محدودة تُنزل بها الخسائر البشرية.
وفي هذا الإطار، كشفَ مصدر عسكري لـ «الجمهورية» أنّ استهداف حافلة نقل العسكريّين في بلدة البيرة العكّارية أمس، والذي أدّى إلى استشهاد الجندي جمال جان هاشم، يأتي في إطار هذا التكتيك الإرهابي الجديد الذي يتمثّل باستبعاد المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش، واستبدالها باستفراد عناصره في عمليات مفاجئة وخاطفة، تتمّ معظمها تحت جنح الظلام وفي أماكن بعيدة من المراكز العسكرية، على أن يُنفّذها شخص أو شخصان ويفرّان بعدها، لتنتهي نتائجها فوراً، ويهدف الإرهابيون من وراء هذا التكتيك إلى تقليص أضرارهم، في مقابل استنزاف الجيش بشرياً.
ومن بين العمليات التي تكشف التقارير الأمنية احتمالَ تنفيذها ضد الجيش والقوى الامنية في المرحلة المقبلة، افتعال حوادث بسيطة في ظاهرها، لكنّها تؤدّي الغرَض بقتلِ عسكريين، مثل الحوادث المرورية أو الإشكالات الفردية المسلّحة، والتي قد تُستخدَم خلالها أدوات قاتلة متوافرة بسهولة كالسكاكين والخناجر.
صيد ثمين
وفي وقت لم يتمّ التعرّف بعد إلى المعتدين على حافلة العسكريين في البيرة، وعلى دوريتَي الجيش في طرابلس، ينجح الجيش والقوى الأمنية في استراتيجية الأمن الاستباقي، ما يعني عملياً التضييق على الإرهابيين بكشفِ خططهم ومطاردتهم وتقليص تحرّكهم، وفي هذا الإطار حقَّق الجيش صيداً ثميناً جديداً بتوقيف ابراهيم بحلق في عرسال قبل يومين، ليتَّضحَ أنّه أحد عناصر القوّة التي هاجمَت «المِهنية» إبّان المعركة الأخيرة في عرسال، معترفاً بأنّه هو مَن قتل العقيد الشهيد نور الدين الجمل.
وأكّد المصدر أنّ بحلق اعترف خلال التحقيق بأنّه كُلِّف بقتل الجمل الذي كان لا يزال موجوداً في «المِهنية»، مطلِقاً رصاصةً من بندقية حربية على رأسه من الخلف.
وأوضحَ المصدر أنّ بحلق أوقِف بينما كان يحاول الخروج من عرسال في اتّجاه الجرود، فحالت الإجراءات الأمنية التي ينفّذها الجيش دون هروبه. حيث ينتشر بكثافة في جرود البلدة، متخّذاً إجراءات استثنائية مشَدَّدة لا تسمح بالمرور إلّا للمزارعين والعاملين في الكسّارات والمشاريع الصناعية في الجرود.
أيّ نازح قد يتحوّل مسلّحاً؟
لا تزال عرسال تأوي عدداً كبيراً من المسلّحين المختبئين في مخيّمات النازحين المنتشرة حول البلدة، فيما قد يتحوّل أيّ من السوريين القاطنين في البلدة، مسلّحاً، حسب ما حذّر المصدر، مشدّداً على أنّ هؤلاء جميعاً تحت سيطرة الجيش، وإذا كانوا يظنّون أنّ المخيمات ملاذ آمن لهم، فهم مخطئون، لأنّ الجيش إذا كان يأخذ في الحسبان الإعتبارات الإنسانية والحقوقية للنازحين، لكنّه لا يُهمل أيّ معلومة أمنية مؤكَّدة عن وجود مسلّحين في المخيّمات، ليتحرّك فوراً ويداهمها.
وإذ ترتدي المخيّمات طابعاً إنسانياً خاصاً، يلفت المصدر إلى أنّ قرار دهمها لا يُتّخذ إلّا بناءً على معلومات أكيدة ومتقاطعة عن وجود إرهابيّين أو مسلّحين، بدليل أنّ معظم عمليات الدهم تؤدّي إلى توقيف مشبوهين، وغالبيتهم من الإرهابيين، ومن هذا المنطلق فإنّ دخول الجيش الى المخيّمات هو من أصعب المهمّات وأدقّها.
وفيما يبدو أنّ المعركة مع الإرهاب لن تنتهي في المدى المنظور، يتوقّع المصدر أن يتكبّد الجيش والأجهزة الأمنية مزيداً من الخسائر، «لكنّنا لن نتهاون في تأدية واجبنا في حماية الوطن».
ويرتفع الحديث عن دور المدنيين في مؤازرة المؤسسات الأمنية والعسكرية، في ظلّ هذا الخطر المتصاعد. وفي هذا السياق، يؤكّد المصدر أنّ المواطنين مدعوّون الى التعاون مع المؤسسات الرسمية والتنبُّه لأيّ خطر، بمقدار دورهم في الحفاظ على سلامتهم الشخصية والابتعاد قدر الإمكان عن التجمّعات العسكرية.