IMLebanon

هذا ما نصَح به مرجع أمني ديبلوماسيـــاً قبَيل الإستحقاق

توقّفَ مرجع ديبلوماسي أمام شكل ومضمون ردّات الفعل الدولية على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فرأى فيها تعبيراً عن الحدّ الأدنى من العلاقات بين الدول. فانتخاب رئيس جديد للبنان شكّلَ لمرحلةٍ همّاً لدى أصدقاء لبنان إلى أن أفرِج عنه في لحظة أقليمية سُحبت فيها الورقة اللبنانية من ملفات المنطقة فنجا لبنان باستعادة رئاسته. وعليه كيف يمكن تقويم الموقف؟

إعتاد مرجع ديبلوماسي غربي يَعتبر نفسَه معنياً بملف لبنان منذ فترة غير قصيرة على قراءة أكثر من تقرير يومي يتناول الوضع في لبنان من جوانبه المختلفة، العسكرية والسياسية والاقتصادية، لتقويم موقعه من أحداث المنطقة وحجمِ التداخل والتشابك بين ما يجري في داخله وما في محيطه، فيُخصّص جانباً من اهتماماته الديبلوماسية اليومية لمراقبة التطوّرات، ساعياً إلى ترتيب الأمور وحلحلة ما أمكنَ من العقد.

على هذه الخلفية، يقرّ المرجع بأنّ ما تَحقّق بانتخاب رئيس الجمهورية بعد 29 شهراً من الشغور الرئاسي إنجازٌ كان في نظره معجزةً تَحقّقت ومِن شأنها أن تحيي قيامة «لبنان الدولة» قبل أن يشهد البلد الصغير ما يمكن اعتباره زلزالاً يؤدّي إلى انهيار ما تبَقّى من مقوّمات الدولة ومؤسساتها وصولاً إلى اعتبارها دولةً مارقة وفاشلة.

ولا يتردّد الديبلوماسي العتيق في القول إنه ورغم ما كان يتلقّاه من تقارير سياسية واقتصادية سلبية تتناول الوضعَ في لبنان من زوايا مختلفة، لم يكن يتوقّع وصولَ لبنان إلى مرحلة الانهيار لأسباب عدة، يردّها إلى حجم اطمئنانه الى ما تتمتّع به المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية من مناعة أبعَدت كثيراً من المخاوف التي يمكن أن تشهدها أيّ دولة في العالم تعيش أوضاعاً شبيهة بوضع لبنان وما لديه من قدرات اقتصادية ومالية وبشرية.

ولا يُغفل الديبلوماسي لفتَ النظرِ إلى ما سمعَه يوماً من مرجع أمني لبناني اعتادَ زيارتَه من وقت لآخر للاطّلاع على توقّعاته لِما يمكن أن يشهده لبنان في مواجهة المخاطر الناجمة عن تطوّرات دراماتيكية يمكن أن تشهدها سوريا والقدرات اللبنانية المتوافرة وماهية الخطوات الضرورية التي يجب اتّخاذها أو اتّخِذت لحماية البلد في أكثر من محطة إقليمية ودولية وأبرزُها إثنتان تتّصلان بالحدث السوري، وهما:

الأولى كانت في الثلث الأخير من أيلول 2015. كان الديبلوماسي يناقش يومها مع المرجع الأمني ما يمكن أن يَنجم من احتمال سقوط النظام السوري عقبَ بلوغ المعارضة السورية مشارفَ الساحل السوري تزامُنا مع تعزيز الحصار على دمشق فتبلّغَ منه تقويماً يقلّل من مخاوفه على التركيبة اللبنانية الديموغرافية والأمنية الداخلية.

ففاجأه يومها بما لديه من الضمانات السياسية من مختلف الأطراف اللبنانية، وتحديداً السنّية والشيعية، بأنه لن يكون لأيّ حدثٍ مهما عظم حجمه أيّ ردّ فعلٍ أمني داخلي ولو كان في سوريا. وإنّ ما يجب ضمانه دولياً توجيه إنذار الى كلّ الأطراف المتقاتلة على الأراضي السورية باحترام الحدود اللبنانية واعتبار ذلك خطاً أحمر دولياً يَحول دون ما شهدته جبهة عرسال في الثاني من آب 2014 وعدم تكرار ما حصَل مرّة أخرى.

والثانية، كانت قبل فترة غير بعيدة تُقاس بالأسابيع الثلاثة الماضية عندما طلبَ الديبلوماسي لقاءً مع صديقه المرجع الأمني اللبناني عينِه لتقويم الموقف عقبَ تردّدات «حرب حلب» التي يمكن أن تتحوّل «ميني حرب عالمية».

فجدَّد له المرجع التأكيد مرّةً أخرى مناعة الساحة اللبنانية الأمنية الداخلية من بوّابتها المذهبية والطائفية، لكنّه حذّر من الاستمرار في الرهان على الأمن وحده. وأضاف: «إنّ مِثل هذا الرهان أمرٌ خطير وغير مضمون النتائج في المستقبل المتوسّط والبعيد، فليس بالأمن وحده تُصان الأوطان، فالسياسة مطلوبة والاقتصاد القوي شرطٌ أساسي لوقفِ الانحراف نحو الفِتن والإرهاب، ولذلك فهما من أبرز مقوّمات الدول وضمانٌ لديمومتها».

وقال المرجع الأمني في حديثه إلى الديبلوماسي: «إنّ أيّ مساعدة عسكرية للجيش والمؤسسات الأمنية حاجة ملِحّة وضرورية لكنّها لا تكفي وحدها.

ولا يعفي ذلك المجتمعَ الدولي من أهمّية السعي بكلّ الإمكانات لرفعِ الحظر عن الاستحقاق الرئاسي، فالأجواء الداخلية باتت مؤاتية لأيّ صفقة أياً كان شكلها ومضمونها، توصّلاً إلى إنهاء الشغور الرئاسي، ليستقرّ البلد وتستعيدَ السلطات الدستورية أدوارَها الطبيعية وتنتفي عشرات المشكلات التي نعانيها في كلّ مجال وتهدّد ديمومة الدولة ووحدة مؤسساتها».

وبناءً على ما تقدَّم، يعترف الديبلوماسي بأنّ ما تَحقّق على مستوى الاستحقاق الرئاسي من خرقٍ لم يكن يتوقّعه كثيرون، كان نتيجةً لهذه الأجواء التي اختمرَت إقليمياً ودولياً، فأعطيَ الضوء الأخضر للمضيّ به في مهلةٍ هي الأقصر في تاريخ الشغور الطويل امتدّت من الجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب الرئيس في بداية الشهر الماضي إلى السادسة والأربعين في آخر يوم منه، وكان ما كان.

وعليه يَختم الديبلوماسي قائلاً: «ما على اللبنانيين في هذه المرحلة سوى العودة إلى الداخل والاهتمام بإحياء المؤسسات الدستورية، بعدما اكتملَ عَقدها بفتح أبواب قصر بعبدا أمام الرئيس ليعيد وشركاؤه إحياءَ المؤسسات الدستورية والتعويض عمّا فاتَ البلدَ مِن كلّ جديد في ظلّ شغور كان قاتلاً، وطيّ العشرات من الملفات الشائكة التي تجمَّدت في أدراج الوزارات والأمانة العامة لمجلس الوزراء لتبدأ مرحلة جديدة عليكم المضيّ بها ونسيان ما يجري في محيطكم وكلّ ما هو مرتبط به أمنياً وسياسياً».

ولفتَ إلى أنّ ملف ما يسمّى بـ»دور «حزب الله» في سوريا» هو من بين هذه الملفات التي ستُطوى في هذه المرحلة، وهو ما سيُترجَم في البيان الوزاري لاحقاً أيّاً كانت العقبات التي ستعوق عملية تشكيل الحكومة، والتي لا يمكن أن تقاس بسهولة عبور مرحلة التكليف من بين كلّ المحطات الدستورية والتي ستكون الأسهل عندما تنتهي اليوم ليبدأ مشوار ترجمة التفاهمات الداخلية على وقعِ الخارجية منها، علماً أنّ السقوف العالية قد رسِمت ولن يتمكّن أحدٌ مِن تجاوُزها.