في موازاة الفشل السياسي الكبير في الاتفاق على قانون انتخابي يخرج البلاد من دوامة النزاعات التي لامست الخطوط الحمر الطائفية بفعل تبادل كرة الاتهامات والصيغ بين القوى السياسية المختلفة ،وعلى وقع التهديدات بحسم الاوضاع في منطقة جرود الجبهة الشمالية، وفقا للاجندة الاقليمية، تلتزم قيادة الجيش الصمت فيما خص خططها للمرحلة المقبلة على هذه الجبهة، مطمئنة الى الانجازات الكبيرة التي حققتها امنيا وعسكريا ونقلت المبادرة الى يدها، بعدما نجحت في الاستفادة من المساعدات التي قدمت للمؤسسة العسكرية من اكثر من جهة صديقة،كعربون وفاء لنجاح الطرف اللبناني في اثبات قدرته على الانتصار على الارهاب.
وتكشف المصادر ان الاتصالات القطرية – الايرانية متوقفة حاليا، نتيجة ضغوط واشنطن، التي لا ترى في تواجد الجماعات المتمركزة في جرود السلسلة الشرقية اي خطر عسكري على الداخل اللبناني،بعدما فقدت تلك القوى زمام المبادرة، من جهة ونتيجة رفض امير جبهة «فتح الشام» ابو مالك التلي الانسحاب، نتيجة خلافات داخل الجبهة بدأت تخرج الى العلن مع تسليم الجولاني باتفاق «القرى الاربع»، ما يعني عمليا ان الحل السياسي لهذه المنطقة ما زال بعيدا عن الانجاز، معتبرة ان كل ما يتردد عن عمليات عسكرية وهجومات وشيكة ليس سوى من باب الضغط، ذلك ان ايا من القوى غير مستعد لدفع كلفة معركة الجرود في الوقت الحالي، مع تسليم الجميع بان وظيفة المجموعات المتمركزة فيها هي سياسية بامتياز وهي تحظى بغطاء اقليمي ودولي نتيجة ذلك ،اذ لن يكون هناك حل لهذا الملف قبل حسم مصير المواجهة في الجنوب السوري.
من هنا ترى المصادر ان محاولات «تغطيس» الجيش وقيادته الجديدة الملمة بتفاصيل وواقع الجبهة على الارض، لن تنجح، وان الجيش اللبناني لن يكون جزءا من اي عملية عسكرية في الجرود مع اي طرف كان ما دام مجلس الوزراء لم يتخذ هكذا قرار ، كما ان وحداته المنتشرة لن تتقاسم مناطق نفوذها مع اي طرف عسكري آخر. وفي هذا الاطار فقد سمع الوفد العسكري اللبناني الذي زار واشنطن واجتمع الى كبار القادة العسكريين في البنتاغون، اشادة واضحة باداء الجيش اللبناني وفعالية الخطط الموضوعة لحماية الحدود والتي اثبتت فعاليتها، عبر نجاحه في تطوير التعاون والتنسيق بين مختلف الاسلحة من برية وجوية، وخصوصا المدفعية وسلاح الجو، بعد سلسلة المساعدات النوعية من مدافع وقذائف وكذلك صواريخ تلقاها الجيش على دفعات ونجح في ادخالها الخدمة في غضون ساعات مستفيدا من طاقتها الى اقصى الحدود.
وتشير المصادر الى ان الجيش اللبناني نجح في حرب الاستنزاف التي يخوضها ضد المسلحين في نقل المبادرة الى جانبه ،نتيجة «ليونة» الخطة العسكرية الموضوعة واعطاء هامش حركة كبير للقوى المنتشرة على الارض بعيدا عن «البيروقراطية» فارضا ايقاعه على المعركة، اذ يكفي رصد احد الاهداف ليصار الى التعامل معه بين دقيقة وخمس دقائق وفقا لنوع السلاح والرمايات المسخدمة، التي تاتي باكثر من 95% منها دقيقة محققة اصابات قاتلة في صفوف المسلحين وتحصيناتهم،حيث انهم لا يخرجون من «جحورهم» خلال النهار خوفا من عمليات الرصد الدائم لهم.
اوساط عسكرية متابعة رات ان نجاح الجيش في سد ثغرات التسلل الى مدينة عرسال، ونجاحه في اعادة اظهار الصورة الوطنية للبلدة المؤيدة للجيش،حرمت الارهابيين من قاعدة لوجستية خلفية اساسية، استفادوا منها نتيجة ترهيبهم للاهالي بالتواطؤ مع بعض المتعاونين من اهالي البلدة الذين لا يتعدون العشرات، وهو ما ظهر بعد الانتخابات البلدية الاخيرة مع «لفظ» البلدة لتلك الفئة ومطالبة اهاليها بالشرعية وبحماية الجيش، وما نجاح العمليات الامنية الاخيرة الا خير دليل على التعاون القائم بين الاجهزة الامنية والعسكرية ، حيث باتت الدوريات العسكرية تدخل الى كل احياء البلدة بشكل روتيني.
انطلاقا من ذلك تؤكد الاوساط ان كل المعطيات تشير الى ان استراتيجية الجيش نجحت وبكلفة بشرية «صفر» في قلب المعادلة في تلك المنطقة، وشل حركة المسلحين الامنية والعسكرية على السواء، وهو ما تبينه المعطيات الميدانية، وان عمليات التسلل التي يجري صدها هي فردية هدفها في غالب الاحيان الوصول الى مخيمات اللاجئين المنتشرة عند تخوم بلدة عرسال،والتي تخضع لمداهمات دورية بحثا عن السلاح والمطلوبين، والتي باتت مكشوفة مع نجاح الجيش في تكوين «داتا» شبه كاملة عن قاطنيها، مشيرة الى ان اساليب التسلل باتت بدورها مكشوفة، كما ان الوحدات العسكرية تاخذ بكل معلومة على محمل الجد وتتعامل معها على هذا الاساس.
هكذا اذا ستتعامل القيادة العسكرية اللبنانية راهنا مع الواقع على تلك الجبهة بعيدا عن اي تاويل او اشاعات ،اقله في الفترة القريبة المقبلة، حيث ان قرارها نابع من تقديرها للوقائع على الارض ولمدى خطورة الاوضاع، والذي تضعه بشكل دوري في عهدة المستوى السياسي صاحب القرار في التحالفات والتعاون مع القوى الخاجية اقليمية ام دولية.