القوات اللبنانية فخورة بأنها بقيت خارج الجدل السياسي الذي يصيب البلاد. تلهي نفسها بورشتها التنظيمية وصولاً إلى تنظيم انتخابات على مستوى الحزب ككلّ. أما شعبياً، فزهو باستقطاب شريحة كبيرة من الشارع الذي تتنافس عليه مع التيار الوطني الحر والكتائب
«على غير موجة» يعمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. في وقت «تتقاتل» فيه القوى السياسية لإيجاد حلّ لمسألة الترقيات داخل الجيش، وتُضيّع الوقت في حوار أثبت حتى الساعة عدم جدواه، وفيما تتسابق الأحزاب والتيارات المدنية على «احتلال» ساحات وسط المدينة للمطالبة بالحقوق التي تختلف من جماعة إلى أخرى، وفيما تنتظر الأغلبية نتائج الضربة الروسية على سوريا وانعكاساتها على الوضع الداخلي، تنشغل «القوات» في تنظيم سباق «اركض ضد المخدرات»، ترعى دورة الرئيس الراحل بشير الجميّل في الـ «ميني ــــ فوتبول»، تنظّم دورات في «الليخا»، وينطلق رئيسها في رحلاتٍ «خليجية»، فيما تمضي الأمانة العامة في تفعيل الورشة التنظيمية.
آخر حملات الحزب هي التوعية على المخدرات، وقد كلّف جعجع نفسه توجيه رسالة «تحذيرية» إلى الشباب. هذه الحملة «استراتيجية وليست وليدة الصدفة، فتوقيتها يتزامن مع دخول الطلاب إلى الجامعات»، استناداً إلى أحد مصادر معراب. ويزيد بأنّ «القوات حاضرة على الصعيد السياسي والاجتماعي لأننا حزب نتناول الإنسان بكل قضاياه والمخدرات تندرج في هذا السياق».
ينطلق المصدر من هنا للتأكيد أن قيادة «القلعة الكسروانية» لم تنأ بنفسها عن الأحداث السياسية، «إلا أنّ الحكومة هي التي نأت بنفسها عن لبنان. هل واجبنا أن نفرض السياسة على حكومة لا تمارس السياسة؟». يسأل المصدر: «وين كان في سياسة ولم نمارس دورنا؟». ويبدأ التعداد: «سجلنا موقفاً واضحاً من عدم جدوى الحوار، أيدنا الحراك المدني في مكافحته للفساد، رفضنا تدخل حزب اللّه في سوريا. أما الترقيات الأمنية، فنحن غير ممثلين في الحكومة وأوضحنا أن لا فيتو لدينا على أحد».
في الإطار نفسه، يصف الأمين العام لـ«القوات» فادي سعد عدم المشاركة في الحكومة بأنه «فعلٌ إيجابي يتطلب جرأة عالية وأن نكون أمناء لأفكارنا.
قرّرنا بطريقة
إيجابية عدم المشاركة في مسرحية غشّ الرأي العام
بالنتيجة، من يرفض وزارتين تؤمنان الخدمات لجمهوره لا يُمكن إلا أن يكون صاحب مشروع جدّي». بالنسبة إلى سعد «لم يعد هناك لزوم حالياً لمناقشة نجاح هذه الحكومة أو فشلها، فقد أثبتت أنها غير قادرة على العمل». وعلى الرغم من أن حلفاء «القوات» هم من الأعمدة الأساسية لهذه «التركيبة»، إلا أن ذلك لا يلغي واقع أنها «حكومة أضداد غير قادرة على أن تقدّم أي شيء للشعب اللبناني. أزمة الزبالة مثلاً، كانت في حاجة إلى لجنة واجتماع الكتل جميعها وأخذ وردّ ولم تُحلّ المشكلة بعد». لذلك، مسار الأحداث «يدلّ على أنه لا يوجد قرار بإقامة دولة لبنانية، إضافة إلى حزب اللّه الذي يستفيد من هذه التناقضات حتى يمنع قيام الدولة التي ستأتي على حسابه».
في موضوع الحوار الوطني، «أيضاً لم ننأ بنفسنا، ولكن قرّرنا بطريقة إيجابية عدم المشاركة في مسرحية غشّ الرأي العام»، انطلاقاً من فكرة أن «القوات همها قيام الدولة وإيصال الحقوق للشعب».
القوات من موقعها «المُتفرج» تحاول أن «تبيّن كيف تكون المعارضة، خاصة للتيارات التي لا يُمكنها أن تتخيل نفسها خارج السلطة. لا يُمكننا أن نكون أعضاء في الحكومة وننتقدها في الوقت نفسه، في ذلك عملية غشّ». من دون إنكار حقيقة «عدم إمكان تشكيل معارضة فعالة بسبب وجود حلفاء لنا فيها».
يبدو «الحكيم» سعد حاسماً وهو يؤكد أن القوات «غير معنية بالنقاش في البلد الذي لا يهم الناس».
ماذا استفادت «القوات» من هذه السياسة؟ يجيب سعد بأنه كان من الممكن أن «نربح الكثير لو كان الهدف شعبياً، ولكننا نتعاطى بصدقية حتى في عملية تصويب سهامنا، لأن الهدف ليس زعزعة الاستقرار». المصدر القيادي من جهته يقول: «اسألوا شركات الإحصاء عن شعبيتنا التي تزداد. بالنتيجة نحن مع وحدة الموقف حيث أمكن، لأن في الاتحاد قوة».
إضافة إلى النشاطات الاجتماعية، «في القوات ورشة تنظيمية دائمة»، يقول سعد. المسؤولون القواتيون يعملون من أجل «تحضير مشاريع إنمائية وصحية تهم المواطن حتى نكون جاهزين لتطبيقها متى أصبحت هناك سلطة في البلد». داخلياً، «نحن مشغولون في احتفالات توزيع البطاقات، التحضير لإجراء انتخابات حزبية، وصولاً إلى إجراء الانتخابات على مستوى القيادة الحزبية». هذه المرحلة الأخيرة «ستنتهي في غضون أشهر قليلة. المهمّ مش غايبين».