Site icon IMLebanon

هكذا أصبحت الطريق سالكة لرفع أسعار الفوائد

من المتوقع ان يعلن مجلس الاحتياطي الفدرالي رفع اسعار الفوائد للمرة الثالثة بعدما أثبتت المؤشرات الاقتصادية تحسنًا مع بيانات التضخم والعمالة التي اصبحت، وبنظر العديد من الاقتصاديين، قريبة من الارقام المثالية ومتماشية مع التوقعات.

تضاربت الاراء الاسبوع الماضي حول امكانية رفع اسعار الفوائد على الدولار، لكن وعلى ما يبدو اصبحت اليوم اكثر حتمية سيما بعد سلسلة تعليقات أدلى بها العديد من اعضاء مجلس الاحتياطي الفدرالي ومن بينهم جانيت يلين.

ويؤكد هذه القناعات تحسّن البيانات الاقتصادية الاميركية في ظل اقتصاد عالمي مستقر وسهولة الشروط المالية مما يعني جملة امور تدفع بالفدرالي لحسم هذه الخطوة.

أحد أهم المؤشرات التي تقيس البيانات مقارنة بالتوقعات جاءت في تقرير «Citigroup economic surprise index»، والنتائج هي الأعلى منذ ثلاث سنوات. كما ان معظم البيانات مستمرة في التحسّن نسبيًا.

لكن، وعلى ما يبدو، لا تستند سياسة مجلس الاحتياطي الفدرالي الحالية فقط على تعافي الاقتصاد الاميركي، بل تركّز ايضا على كيفية سير الامور على الصعيد العالمي مع مؤشرات في اوروبا ان القارة لن تنهار تحت عبء الديون السيادية، وان الصين بدت اكثر صلابة مع تباطؤ النمو مما ساعد على زيادة الشعور بالثقة على الصعيد العالمي.

لكن هناك تباين في الرأي بين اعضاء مجلس الاحتياطي الفدرالي، وبعضهم غير مقتنع بأن الاقتصاد يتحسّن لدرجة رفع اسعار الفوائد، ومن بينهم رئيس الفدرالي في سانت لويس والذي قال «ان البيانات الحديثة لا تختلف عمّا كانت عليه في اجتماع كانون الثاني لتبرير رفع اسعار الفوائد.

وقد رفع تفسيرات تشير الى ان الفدرالي اختار مسارًا اكثر عدائية في ظل مناخ اقتصادي وسياسي جديد مع بروز ترامب على الساحة الدولية ناهيك عن الديون الوطنية والتي باتت تقترب بسرعة لتبلغ عتبة الـ ٢٠ تريليون دولار.

ويبدو حسب المتوسطات الرئيسية للمؤشرات ان وول ستريت اصبحت متساهلة اكثر مع تزايد الانقسام بين اسعار الاسهم والقوة الكامنة للاقتصاد الاميركي مما يعني انه اصبح من الواضح ان النمو الاقتصادي لا يواكب قيم الاوراق المالية. والسبب في هذا التناقض الكبير واضح اذ ان طباعة النقود قد ادّى الى ارتفاع اسعار الاصول ولكنها في الوقت نفسه لم ترفع الانتاجية.

منذ ان بدأت عملية التسيير الكمي في تشرين الثاني من العام ٢٠٠٨ ارتفع رصيد مجلس الاحتياطي الفدرالي من ٧٠٠ بليون دولار الى ٤،٥ تريليون دولار وهي زيادة تقارب ٥٤٠ بالمائة.

مع ذلك، وخلال الفترة نفسها، لم يتمكّن اجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة من النمو الا بنسبة تقارب ٢٩ بالمائة. وارتفع من ٤،٥ تريليون دولار الى ١٨،٨ تريليون دولار. وهذا النمو الهزيل في الناتج لم يعط اي بوادر تحسن كبيرة رغم الضجة والامل الكبير الذي انتاب وول ستريت في شأن الرئيس الجديد اذ ان نمو الناتج لم يتجاوز ٢ بالمائة سنويًا منذ الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨.

هذا يعني ان الامور تزداد خطورة مع نمو كبير لاسعار الاسهم والتي أصبحت بعيدة من الواقع الاقتصادي اكثر من اي وقت مضى. ومع سياسة تشجيعية من قبل الاحتياطي الفدرالي، ارتفعت الديون غير المالية من مستوى ٣٥ تريليون دولار في العام ٢٠٠٨ الى اكثر من ٤٧ تريليون دولار في الربع الثالث من العام ٢٠١٦. هذا الارتفاع يعود الى اصدار سندات الدين نتيجة التيسير الكمي وسياسات الفوائد الصفرية ZIRP ( انتهت مفاعيله حاليًا).

أضف الى ذلك الفارق بين اسعار الفوائد للفدرالي واسعار سندات الـ ١٠ سنوات والتي تراجعت حاليا مما كانت عليه في العام ٢٠٠٤ بنسبة ٣٧٥ نقطة .

لذلك، وما لم يقرّر ترامب تمرير سياسته التي دعى اليها خلال حملته الانتخابية الى منح حوافز ضريبية وانفاق على البنية التحتية، قد تتراجع الامور بشكل دراماتيكي يحدث معه خلل في الاقتصاد والاسواق.

ما يلفت اكثر، هو كيف تحولت الامور في اقل من اسبوعين فقط، علما ان المؤشرات الاقتصادية لن تتغيّر بشكل دراماتيكي يدعو الى زيادة اسعار الفوائد في اذار، وان تليها زيادات متتالية حتى نهاية السنة، علما ان وضعية السوق كانت تعطي نسبة ١ على ٤ لاحتمال رفع الاسعار، وفي الوقت نفسه من الاسبوع الماضي تحول كلام كبار المسؤولين في الفدرالي بمن فيهم يلين الى الحديث عن حتمية رفع هذه الأسعار.

حسب جوزيف لافورنيا، وهو خبير اقتصادي في «دويتش بنك»، ليس هناك في الواقع الكثير من المنطق فيما يقوم به مجلس الاحتياطي الفدرالي بمعنى انه كان عليه ان يفعل ذلك منذ وقت طويل.

هكذا يأتي الارتفاع اليوم دون اسباب جديدة تدعو اليه، وربما كان من الأفضل ان يبدأوا به منذ وقت، سيما وان سياسة ترامب الاقتصادية لم تبرز بعد الى العيان ولم يحن الوقت لتأتي بنتائج. كما ان الحديث عن الوضع العالمي المستقر نسبيا غير مقنع كونه وخلال الفترة الماضية لم تكن يلين لتتطلع الى اي وضعية للدول خارج الولايات المتحدة.

قد تكون فرضية ترامب عن سياسة يلين الاقتصادية على حق كونه هاجمها مرارا عندما قال انها لا تعمل على تحفيز الاقتصاد والاستثمار وتبقي اسعار الفوائد على حالها.

ولمن يراقب الوضع المالي العالمي يرى انه بعيد من الاستقرار، سيما اوروبا ومشاكلها، مما يُقنعنا بأن اجندة يلين في الاحتياطي الفدرالي، قد تكون وللفترة التي مضت سياسية اكثر منها اقتصادية.