كل ما قيل ويقال، مع وضد، تبنّي الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية إنفعالي معاد ومكرر، يخرج الثعابين الغافية في سكينة النعم واللا: هو المشهد نفسه يوم “القانون الارثوذكسي”، ويوم “اعلان النيات” بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، ويوم لقاء الحريري – عون في باريس، وفي كل حالات التقارب، أو توهم وجوده.
الانفعال الأعمى يستعيد نفسه، وتحل تهمة التخوين السياسي، في جهة، وتهمة الغدر في الاخرى، وكأن السياسة هي جمود وليست تفاعلاً مع الوقائع، والمستجدات، وكأن لتحقيق المبادئ طريق يتيم هو العناد الى حد المواجهة.
مشهد لبنان من الخارج أنه معلق على حبل الأزمة السورية، وأن اللبنانيين فشلوا في اخذ قرارهم بأنفسهم بدليل عجزهم، منذ نحو سنتين، عن انتخاب رئيس للجمهورية، وان قاعدة “الموارنة الأربعة الأقوياء” هي قرار ماروني بامتياز، سلّم به المسيحيون والمسلمون على السواء. وإذا كان مضمراً أن بين الأربعة اثنين صف أول والآخرَين صف ثان، فإن الصحيح ايضاً أن “مرتبة” الامتياز منحت للأربعة على السواء، وببركة البطريرك الراعي.
طبيعي أن ترشيح أي من الاربعة سيواجه باعتراضات الفريق المقابل، وبمطالبات، منها ان يتخذ مسافة من حلفائه، وهذا ما رفضه عون. بل رد بالتمسك بـ “سلاح المقاومة” وبعدم اعتراض تورطها في سوريا. في الموازاة، ابدى جعجع مرونة لافتة بإعلانه شخصياً الاستعداد للانسحاب امام من يلتزم مبادئ 14 آذار، بينما لم يتردَّد الرابع، أي الرئيس امين الجميّل، في ابداء اعتداله بتخليه عن رئاسة حزب الكتائب لنجله سامي.
اليوم، يُرشح فرنجيه واقعياً وليس رسمياً، ما يعني ان الأمر لما يزل قيد النقاش مع الحريري. والتأخير في الاعلان، إن كان الأمر جدياً، يعني ان التفاصيل تمحَّص، ومن لم يتبن ترشيح عون لتمسكه بسلاح الحزب، في الداخل والخارج، لن يتنازل عن هذا الشرط وغيره أمام فرنجيه، كما عن التوافق مع “الحلفاء المسيحيين”. فعلام استعجال الخلاف داخل 14 آذار؟ ثم ما النفع في استمرار الشغور الرئاسي، وفي اضمحلال الدولة، وتهالك الاقتصاد، إلا اذا كان العزم ان نعيش “مسّادا” لبنانية؟ ثم من قال إن حل الأزمة السورية لا يبدأ بحل العقدة اللبنانية، وماذا يمنع أن يكون لبنان مختبر النيات الإقليمية – الدولية؟ ومن قال إن هزيمة بشار تعني، أوتوماتيكياً، “امّحاء” حلفائه في التركيبة اللبنانية؟ أليست الدعوة الدائمة للحزب إياه أن يعود إلى كنف الدولة، وهي من سيحضنه حين يجبر على الإنكفاء؟
لن تقف الحياة عند مفترق 8 و14 آذار. لا بد من مخرج. إن لم يكن بفرنجيه فبغيره. فالشرط الأساس تسوية تحت سقف الدستور والدولة واتفاق الطائف. فلا نصر مطلقاً لأحد، ولا هزيمة كاسحة.
“هيدا لبنان”.