IMLebanon

هذا ما قرأه سياسيّون في خطاب نصرالله

يرى مراقبون أنّ خطاب الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أمس إكتسب أهمية كبيرة بمجمله، لكنه كان أكثر اهمية لجهة ما احتواه عن الوضع اللبناني الداخلي وتشديده على منع الفتنة.

يقول سياسيون استمعوا الى خطاب السيد نصرالله انه اعاد تصويب الصورة في ضوء النتائج المحققة مُبدياً ثقة جوهرية بحجم ما أنجز، وأقفل الطريق امام محاولات جرّ البلاد الى فتنة على خلفية ملف بلدة عرسال وجرودها.

ولاحظ هؤلاء السياسيون انّ السيّد استمر في اعتماد لغة الغموض والتعمية في ادارة العملية العسكرية المقبلة في جرود عرسال وقتاً وأهدافاً، ولكنه اكد في الوقت نفسه انّ هذا الانجاز القلموني – العرسالي الذي يتراكم حجمه حينما سيتكامل في شكل نهائي سيخلق واقعاً صادماً للمعادلة الاستراتيجية في لبنان وسوريا.

كذلك فإنّ السيد نصرالله اعاد تصويب وضع المعركة الحالية في الجرود العرسالية بعد العبث الاعلامي الممنهَج الذي تعرضت له، بحيث انه كرّر تأكيد الفصل بين عرسال وجرودها وهذا كان قد أكده في آخر إطلالة له، لكنه اضطر الى اعادة التشديد عليه نتيجة شراسة الهجمة.

راسماً معادلة عرسال البلدة في شكل واضح لا لبس فيه استناداً الى موقف الحكومة الاخير الذي كرّر تفويض الجيش اللبناني الحفاظ على أمن عرسال، استعانَ نصرالله بهذا الموقف ليبني عليه للانتقال الى موقف الجيش ويقول انّ وقت عمله قد حان وانه مكلّف بمهمة وطنية هي الحفاظ على امن عرسال.

وكان لافتاً هنا قوله «انّ المقاومة كان لها الشرف في انها حرّرت عشرات الكيلومترات من الاراضي التي كان يحتلها الارهاب التكفيري»، وبالتالي فإنه عندما يدعو نصرالله الجيش، بناء على بيان الحكومة، الى تحمّل مسؤولياته في عرسال، إنما يحدّد خريطة الطريق لِما هو آت، وهي: «نحن كمقاومة نقضم الجرود، وانتم كجيش تتكفّلون الحفظ على امن عرسال البلدة بكل الوسائل بما فيها الوسيلة السياسية بالتعاون مع تيار «المستقبل» والاهالي، بما ينزع الصاعق من داخلها».

على انّ التجييش العشائري الذي حصل في الايام الاخيرة كان له بُعد آخر في خطاب السيد نصرالله، بحيث انه اعاد رسم الحدود الطبيعية لهذا التجييش قاطعاً الطريق على محاولة خبيثة للاستثمار عليه كانت قد جرت سابقاً، بحيث شكر نخوة العشائر التي استجابت لتكون جاهزة لمواجهة ايّ خطر تكفيري، ولكنه اكد انّ المقاومة في الجرود لا تحتاج الى مقاتلين ولديها من العدة والعديد ما يكفي لإنجاز مهماتها، وانما تحتاج فقط الى ذلك التضامن الشعبي والمعنوي الذي عبّرت عنه تلك العشائر.

وعندما نصح نصرالله الحكومة بالتعاطي الجدي مع الوقائع والملفات التي تتعثّر فيها وعدم انتظار سوريا والعراق واليمن، انما اراد لبعض القوى السياسية الاساسية المشارِكة في الحكومة ان لا تكون واهمة ومشتبهة، وانّ تعاطيها مع قضية التعيينات الامنية والعسكرية بالطريقة المطروحة ليست في مصلحتها، لكنه اكد في الوقت نفسه انّ الفرصة ما تزال متاحة للاستفادة من الجدية والإقدام التي يتحلى بها البعض، لأنها اذا لم تفعل فلن تستطيع الوصول الى حلول قريبة.

اما في موضوع اسرائيل، فإنّ السيد نصرالله كان حريصاً كعادته دوماً على الحفاظ على سياسة الردع الاعلامي والنفسي والموضوعي، تجاه الدولة العبرية، لأنّ هذا الردع هو تكملة للردع العسكري القائم والدائم والمؤدي مفاعيله الميدانية.

فمن باب هذا «الثلاثي الرادع» وبعد حملة الصخب والتهويل الاعلامي الاسرائيلي والحديث عن تهجير مليون ونصف مليون لبناني في أي حرب مقبلة، أحكمَ نصرالله جدلية الربط بين التهجير وأبعاده اللبنانية والتهجير وأبعاده الاسرائيلية بحيث اكّد للإسرائيليين انه يملك مستوى الفعالية نفسه لتهجير ملايين الاسرائيليين في اي حرب مقبلة، وبهذا المعنى رأى انه من غير المسموح للردع الاعلامي الاسرائيلي ان يمر من دون ردّ مُواز عليه.

وبناء على كل ذلك، فإنّ حجم الطمأنينة الذي أطلَّ به نصرالله ضمن اطلالات صارت اكثر تتابعية في الآونة الاخيرة بنحو غير مسبوق بغضّ النظر عن طبيعة المناسبة، هذه الطمأنينة تشمل رؤية أوسع للمعركة التي يخوضها «محور المقاومة» في الساحات الاربع، اي اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ومن هنا بات الربط نهائياً بين هذه الساحات ومفاعيل الفعل عليها. وهذه الطمأنينة تعيد النصاب الى الوقائع الميدانية بعد حملة التهويل التي تعرّضت لها الساحة السورية تحديداً.

ولذلك، يرى السياسيون انفسهم، أنّ اطلالة نصرالله بالأمس عبّرت عن حجم كبير من الثقة بوجهة الامور ومآلها، وهذا يفسّر كل ما تردد خلال الايام العشرة الاخيرة عن حضور قوي لـ»محور المقاومة» في ساحات الميدان السوري.

امّا حديث السيّد نصرالله عن «داعش» فيحتاج، في رأي هؤلاء السياسيين، الى مقاربة حول حقيقتها ومنطلقها والقوى المؤسسة لها، وكيف تحوّلت من «قاعدة» الى «داعش».

فالرواية التي قدّمها السيّد نصرالله في هذا الصدد ستأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام لأنها صدرت عنه كمعنيّ بالمعركة كلها، وجاءت بعد إطلالة «أبو محمد» الجولاني على قناة «الجزيرة»، وفي ضوء ما قاله موقع السفارة الاميركية في دمشق من انّ الطيران السوري «سَهّل» لـ«داعش» هجومها الأخير في حلب، كذلك جاءت في الوقت الذي بدأ حزب الله يقترب من إنهاء عملياته في المناطق التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» في جرود عرسال ليبدأ عمليّاته في المناطق الداعشية (ميرا، مرطبيا، وادي عجرم، الجراجير