يمثل الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط نموذجاً فريداً ومتميزاً، ليس فقط بين القيادات السياسية اللبنانية في الزمن الحاضر، وانما أيضاً في تاريخ لبنان الحديث. ويقول عديدون انهم لا يفهمون جنبلاط وتحولاته السياسية، ويأخذون عليه استداراته الكثيرة، ما بدا لهم غالباً انه نوع من التلوّن والانتهازية. ومع ذلك فان المرء لا يفهم حقيقة التكوين اللبناني ما لم يفهم العقل الجنبلاطي أولاً! وهو لم يحد يوماً وتحت أي ظرف عن الهدف الجوهري الذي احترف في سبيله العمل السياسي من أجل تحقيقه… ولكنه ابتكر لنفسه مدارات يتبعها في حراكه اليومي أو المرحلي، بعضها اهليلجي واسع النطاق ويقطع مسافات طويلة قبل العودة الى نقطة البداية، ويشبه مدار حركة الأرض حول الشمس، ولا يشعر بها حتى من يقيم عليها. وبعضها يشبه حركة البلبل المخطط بألوان عديدة، وتختلط فيه الألوان عند دورانه وهو يغزل بسرعة، ولكنه يدور على مسمار واحد، ومحور واحد وفي دائرة واحدة لا يتخطاها!
***
هدأ اليوم وليد جنبلاط بعد بلوغه مرحلة النضج في خريف العمر، وابتعد عن السياسات الصدامية والمواجهات والاستفزاز كما في المراحل السابقة. جوهر النهج الذي اتبعه في حياته كلها هو ما يعلنه اليوم بشفافية صافية في مقابلة مع موقع كارنيغي للشرق الأوسط. وقال ان همّه الأساسي هو الحفاظ على البقاء وان يكون نقل الرسالة الى نجله تيمور، وان البقاء يعني اقامة علاقات جيّدة مع مختلف مكونات البلاد، وان هذا هو السبيل الأسلم ليتمكن الدروز من البقاء، والحفاظ على ما تبقى سياسياً وديموغرافياً… هذه هي حقيقة الوجدان السياسي – ولا نقول العقل السياسي – للزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط. ولا يستطيع المرء أن يفهم حقيقة التكوين اللبناني دون فهم هذه المعادلة الجنبلاطية. وهو يعبّر في الواقع عن حقيقة الهاجس العميق لدى الغالبية الساحقة من العائلات الروحية في الوطن وبخاصة لدى المسيحيين، وكذلك لدى الطائفة السنية في لبنان، وغيرهم…
***
يختم جنبلاط بالقول ان نجله تيمور يتقدم بثبات، وآمل بأن يتمكن من حماية طائفته وتأمين بقائها، وهذه هي أمنيتي وارادتي قبل الرحيل… أليس هذا هو واقع جميع الطوائف في لبنان مع فروقات قليلة أو جوهرية في المسار؟! أليست حقيقة الوصيّة هي الحفاظ على الطائفة وليس الحفاظ على الوطن؟! وأين لبنان من كل ذلك؟!