IMLebanon

هذا هو المجرم!

كلام في السياسة | 

ثمة مجرم تسبب عن عمد وقصد، بكل المأزق الخطير الراهن. تكفي مراجعة التطورات منذ 18 شباط الماضي حتى اللحظة، من أجل ضبط بصمته وكشف وجهه وتحديد هويته.

يمكن للتحقيق الجنائي البدء من اعتراف صريح ومباشر لوليد جنبلاط. ففي حديث له قبل نحو أسبوع إلى الزميلة «السفير»، قال الرجل العارف بالتوازنات والأزمات وضرورات الحلول، ما يلي: «حاولت التعاطي في مسألة قيادة الجيش فهبطت الصواعق والقذائف فوق رأسي، ولهذا أنأى بنفسي عن هذا الموضوع، فليتوافقوا.

وسأبعد عن الشر وأغني له». من هذا الدليل القاطع لشاهد ملك، يمكن للاتهام أن يبدأ. أصلاً كيف حاول جنبلاط «التعاطي في مسألة قيادة الجيش»؟ وأي «صواعق وقذائف» هبطت على رأسه بسبب تعاطيه هذا؟ ولماذا تم ترهيب جنبلاط حتى ينأى بنفسه عن هذا «الشر»؟ ولماذا سماه جنبلاط الدقيق «شراً»؟

القصة بدأت في 18 شباط. وقائعها باتت معروفة ومكررة. لكن أصول التحقيق تقتضي استعادة ملخصها. في عشاء ميشال عون وسعد الحريري اتفق الرجلان على تعيين قائد جديد للجيش ومديرعام جديد لقوى الأمن الداخلي. والاتفاق صار بالأسماء الواضحة والصريحة. سأل الحريري إذا كان حزب الله يمشي بهكذا اتفاق. أكد عون ضمانته لذلك. انتهى العشاء على مبروك، لا لعيد ميلاد الجنرال وحسب. بل أيضاً للعماد واللواء الجديدين.

بعد إجهاض الاتفاق خرجت تبريرات سخيفة تحاول تبديل وقائع عشاء 18 شباط. أحدهم قال إن الحريري قال لعون أريد أن أتعرف إلى قائد الجيش الجديد. أي كذبة مفضوحة هذه؟ فالحريري يعرف الرجل جيداً جداً. ثم هل يعقل أن يقوم عون بعدها بجولته على بري وجنبلاط ونصرالله لإبرام الاتفاق، لو لم تكن صيغته مع الحريري قد أقرت بشكل نهائي؟!

هكذا يتأكد بالدليل القاطع أيضاً أن الحريري نكث بوعده. مرة ثانية. بعد اتفاق روما في كانون الثاني 2014. تراجع وحنث وتنصل وهرب وتهرب. مع أنه بدا صادقاً مقتنعاً وصاحب مصلحة ومصالح. وهو ما يجر إلى الشق التالي من التحقيق: لا شك أن أحدهم منع الحريري من الإيفاء بوعده. ولا شك أن الذي فعل ذلك يملك قدرة كبيرة للتأثير على الحريري. هنا تدخل وليد جنبلاط. بطلب استغاثة من صديقه سعد، أو بحس وطني أو بقدرة خاصة على استشعار المأزق السياسي… المهم أن جنبلاط تدخل. قيل إنه وجه رسالة إلى فريق الحريري، ليسمعها من معه ومن خلفه، مفادها: أعطوا عون قيادة الجيش. فهي خطوة ضرورية لتفادي الأزمة المقبلة. ثم إنها قد تشكل مدخلاً للبحث معه في قضية الرئاسة. فضلاً عن أن مطلبه حيال هذا الموقع، مع المرشح الذي يطرحه، مشروع ومحق.

هنا عاد «المجرم» نفسه. أسقط الصواعق والقذائف على رأس الرجل. وتزامن ذلك مصادفة مع حوادث خطيرة استهدفت وجود الطائفة الدرزية في مناطق كثيرة، من جبل السماق إلى السويداء! لكن الأخطر، ما يحكى عن كلام مباشر قيل لجنبلاط: لن نعطي عون شيئاً. ممنوع أن يعطى عون أي شيء.

هكذا قصد المجرم نفسه أن يوصل الأمور إلى هنا. فجأة صار تمام سلام صقراً. لم يعد ابن صائب سلام. لم يعد هو من تخلى عن كرسي النيابة سنة 1992 حرصاً على الميثاق. ولم يعد هو من أذل نيابياً سنة 2000 لأنه لا يناسب الاستراتيجية الحريرية. فجأة صار يشبه خالد الضاهر. لماذا؟ لأن المجرم المخطط قصد أن يدفعه إلى مواجهة حياة أو موت، ضد ميشال عون. عله يصيب وضعية من ثلاث: إذا تضامن حزب الله مع عون في المواجهة، وخسراها معاً، يكون المخطط قد تخلص من عدوين بضربة واحدة. أما إذا اقتصر تضامن حزب الله مع عون على الموقف، من دون الشراكة في الخسارة، عندها يعلن عون أنه في حل من تحالف مار مخايل. فيسقط عون في مرحلة أولى. ليصبح بعدها حزب الله معزولاً محاصراً في الساحة اللبنانية. لتحوّله ماكينة إعلام السفارة السعودية من مقاومة إلى ميليشيا. ما يمهد لضربه في مرحلة ثانية. أما الوضعية الثالثة، فأن يربح عون مواجهته، بمفرده أو مع حلفائه. فترتد عملية التحريض التي مورست ضده منذ سنة نيف، احتقاناً في الشارع السني. ورفعاً لشعار جديد من شعارات «مظلومية أهل السنة». فيما يكون أكثر من طرف جاهزاً لتفجيرها عند أي سعديات. تقع الفتنة السنية ــــ الشيعية. تهرق الدماء لا هم. المهم أن يُشغل حزب الله ويُضرب حزب الله… هذا ما يفسر كلام جنبلاط عن «الصواعق والقذائف»، وعن «الشر» الذي قرر أن يبتعد عنه. منذ تسعة أعوام والحلم هو نفسه: تنفيذ سياسة تقطيع متتالية للمحور الكبير. قطع عون عن حزب الله. ثم قطع حزب الله عن سوريا. بعدها قطع سوريا عن إيران. كل حدث «داعش» كان لفصل طهران عن دمشق. وكل القصير وعرسال والقلمون ولطف الله 2 وسلاسلها، كانت لفصل سوريا عن حسن نصرالله. الآن عاد المجرم نفسه لمحاولة ضرب الحلقة الأولى: عون وحزب الله. لكن هذه المرة باتت هويته معروفة. إنه هو من أسقط الصواعق والقذائف على رأس وليد جنبلاط. إسألوه عنه!