الساعة الصفر من فجر اليوم 22 آذار طويَت إحدى المهل الخاصة بالانتخابات النيابية بانتهاء مهلة العودة عن الترشيحات. وعلى عكس الاستحقاقات السابقة فقد عبَرت هذه المهلة من دون أن تكون لها أيّ قيمة سياسية أو معنوية، فعددُ الذين سَحبوا ترشيحاتهم لم يكن بحجم من سيَسقطون بـ»الضربة القاضية» فجر السابع والعشرين من الشهر الجاري. فكيف السبيل إلى شرح هذه المعادلة؟
إستبقَ قادة الكتل النيابية والأحزاب والتيارات السياسية كلَّ الدعوات الشعبية إلى التجديد في المجلس النيابي، معطوفةً على الدعوات الى مجلس جديد يكون أكثرَ فعالية وجدّية في مقاربة قضايا الناس والمواطنين بشطب ومنعِ ترشيح 43 نائباً من نوّاب مجلس العام 2009.
فهم لم يترشّحوا لانتخابات 2018 إمّا بقرار ذاتي وطوعاً وهم قلّة، أو بقرارات من قياداتهم السياسية والحزبية وقادة «البوسطات» التي أقلّتهم الى ساحة النجمة، وزِد عليهم ثلاثة نوّاب قد شغرَت مواقعهم؛ بوصول العماد ميشال عون من مقعده النيابي في كسروان ـ الفتوح الى رئاسة الجمهورية، وشغور مقعد النائب العلوي في طرابلس بدر ونّوس بالوفاة، وشغور المقعد الأورثوذكسي في المدينة باستقالة النائب روبير فاضل.
كلّ هذه التطورات استبقت المعركة الانتخابية الحالية عقب نهاية ولاية مجلس نيابي مدَّد لنفسه ثلاث مرّات أمضى نوابُه تسعَ سنوات إلّا شهراً تحت قبّة البرلمان؛ الأولى في جلسة 31 أيار 2013 ولفترة امتدّت عامين وستة أشهر حتى 20 تشرين الثاني 2014. والثانية في جلسة 5 تشرين الثاني 2014 ولفترة امتدّت عامين وستة أشهر، والثالثة في 16 حزيران 2016 ولفترة امتدّت أحد عشر شهراً حتى 21 أيار 2018.
وإلى هذا التغيير الذي لم يشهده أيُّ مجلس سابق منذ أن امتدّت ولاية مجلس الـ 1972 نحو عشرين عاماً في ساحة النجمة، وقبل ولوج المعركة الانتخابية الجديدة ترشيحاً فقد مجلس نواب الـ 2009، 46 نائباً من أعضائه.
أضيفَ إليهم بسبب ظروف المعركة الانتخابية منذ بدء فصولها وحتى مهلة سحبِ الترشيحات ستة نواب آخرين سَحبوا ترشيحاتهم ضِمن المهلة القانونية التي انتهت فجر اليوم. وكلّ ذلك تمّ بلغةِ الأرقام وسط توقُّع أنّ نحو عشرين نائباً من المجلس القديم لن يصلوا إلى ساحة النجمة في 6 أيار المقبل عند تكوين المجلس الجديد فيزيد عدد الغائبين عنه على النصف زائداً إثنين.
وكلّ ذلك، تمّ إحصاؤه بدقة ومنطق، دلّت إليهما الإحصائيات واستطلاعات الرأي شِبه الحاسمة التي يعترف بها الخاسرون والرابحون تقريباً. ومرَدُّ هذه التوقّعات يعود إلى ظروف المعركة التي فرَضها القانون الجديد وزاد من صدقيتها أن تغيّرَت أصول اللعبة البرلمانية وقواعدها، عدا عن حجم الانقلابات التي قادت اليها التحالفات الهجينة الغريبة والعجيبة التي شهدت البلاد نماذجَ منها في الأيام الماضية وما سيَظهر لاحقاً في الفترة الفاصلة عن الموعد النهائي لإعلان اللوائح ليل 26 ـ 27 آذار الجاري بالصيغة النهائية التي ستجري على أساسها الانتخابات.
وبناءً على ما تقدَّم، لم يعُد لموضوع سحبِ الترشيحات ضِمن المهلة التي انتهت فجرَ اليوم أيّ أهمّية تُذكر، فما سبقَ من انسحابات سبقَ ذكرهُا قبل ولوجِ العملية الانتخابية وعلى الطريق لا يتوقّع المراقبون سحب مزيدٍ من الترشيحات التي كان متوقعاً أن تزيد عن 350 ترشيحاً تقريباً من أصل 976 مرشّحاً لأكثر من سبب ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– لم يعُد لسحبِ الترشيح أيّ مفاعيل مالية أو قانونية ولا طعم له، طالما إنّ القانون الجديد لم يشِر إلى استعادة الملايين الثمانية التي سُدّدت في صندوق وزارة المال كشرطٍ من شروط الترشيح، وهي حال العشرات من المرشحين الذين تباكوا على المبالغ التي سدّدوها في صندوق وزارة المال قبل ان يكتشفوا أنّها تبخّرت. فالداخل إلى الصندوق مفقود والخارج لم يولد بعد، كما قال أحد المرشّحين غاضباً ومقِرّاً أنّه لم يكن يدرك هذه الحقيقة.
– لم يقدم عدد من المرشحين على قرار مماثل في انتظار المهلة الإضافية التي يعتقد البعض انّها لربّما سَمحت له بدخول «جنة» إحدى اللوائح الانتخابية خلال الفترة الفاصلة عن ليل 26 ـ 27 آذار الجاري. فهناك لوائح أصابها الوهن والتعثّر بسبب إعادة النظر المفاجئة التي اصابَت بعض التحالفات التي وضَعت البعض من نواب سابقين ومرشّحين جُدد على قارعة الطريق في السباق الى ساحة النجمة.
وهناك من يأمل في الحلول محلّ مرشّح آخر انسَحب من لائحة أو إمكان الالتحاق بلائحة ما زالت قيد التحضير، وهو ما سيَسمح لبعض الساعين الى شكلٍ من أشكال الشهرة أن يستمر التداول باسمِه حتى 6 أيار المقبل، بدلاً من أن ينطفئ من اليوم.
– وإلى كلّ هذه الملاحظات تبقى الإشارة ضروريةً إلى أنّه وبموجب القانون الجديد بات سحبُ الترشيح خطوةً لا لزوم لها. فالغربلة النهائية للأسماء ستصدر صباح 27 من الجاري عندما ستعلن مديرية الشؤون السياسية في وزارة الداخلية اللوائحَ الانتخابية التي ستخوض السباق الى ساحة النجمة خاليةً من أسماء الذين باتوا على لائحة ضحايا الـ 976 ترشيحاً التي سبق لوزارة الداخلية أن أعلنتها عند إقفال باب الترشيحات لديها.
وفي الختام، لا بدّ للقارئ في زوايا انتخابات 2018 أن يدرك أنّ هناك كثيراً ممّا يَستدعي التوقّفَ عنده في الشكل والمضمون والنتائج التي ستترتّب عليها.
وإلى كلّ هذه العناصر تبقى الإشارة ضرورية إلى أنّ انتخابات هذه السنة ستدخل التاريخ من أبواب عدة، وأخطرُ ما فيها أن تتكرّر التجارب السابقة التي وصَمت محطات مماثلة بتدخّلِ أهل السلطة في كلّ شاردة وواردة، فالمئات دخلوا إلى وزارة الداخلية وخرجوا منها مرشّحين ومنسحبين في آن.