Site icon IMLebanon

هذا هو واقع الحال في الشرق الأوسط

… وأخيراً «بقَّ البحصة»، وأعلنَ وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري أنّ طهران مسؤولة عن إسقاط حكومة عبد ربّه منصور هادي في صنعاء. فعلَ ذلك بعد جولةٍ من المحادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأيضاً بعد الخطاب الذي ألقاه مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله بن يحي المعلمي أمام مجلس الأمن، وحمَّل فيه المجتمعَ الدولي مسؤوليّة الإخفاق في معالجة خطر الإرهاب، غامِزاً من قناة الولايات المتحدة، وموقفها الملتبس من الانقلاب الحوثي في اليَمن.

يتزامن ذلك مع تطوّرَين: إنهاء وزير الدفاع آشتون كارتر مهمّته في الكويت بعدما وزّع المهمّات على جنرالاته في المنطقة. وعودة البعثات الديبلوماسيّة الخليجيّة إلى عدن لدعمِ شرعيّة الرئيس عبد ربّه منصور هادي.

إلّا أنّ الصورة التي تقدّمها دوائر ديبلوماسيّة عربيّة في بيروت يتجاذبها احتمالان: إمّا حرب أهليّة طويلة، أو إعادة تقسيم اليَمن إلى خطّ تماس إيراني – خليجي بحيث يستقرّ الحوثيّون في الشمال، فيما تستقرّ فلول الشرعيّة في الجنوب، ويبقى الكرُّ والفَرّ حول مناطق النفط، والثروات الدفينة.

ماذا عن الموقف الخليجي؟

لقد ناقشَ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح مع ملك الأردن الملك عبدالله الثاني، عندما زاره أخيراً، فِكرة إنشاء قوّة عربيّة مشترَكة، بحيث يكون الأردن الركيزة الأساسيّة، بالإضافة إلى مصر.

وحاوَل العاهل الأردني أن يتوسّع في هذا الموضوع، أمس الأوّل، مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلّا أنّ نقاط الضعف لا تزال كثيرة، أوّلها أنّ مِثل هذه القوّة تحتاج إلى غطاء أميركي – أممي، وهذا غير متوافر بعد، ويَصعب توافره في ظلّ انغماس إدارة الرئيس باراك أوباما في مفاوضاتها مع إيران.

ثمّ إنّ العلاقات المصريّة – الخليجيّة قد عادت إلى غرفة العناية الفائقة بعد المواجهة الإعلاميّة بين مندوبي مصر وقطر في مقرّ جامعة الدوَل العربيّة، هذا فضلاً عن المحاذير الكثيرة الأخرى المتصلة بالمهمّات التي ستوكَل إلى هذه القوّة: هل هي لمحاربة الحوثيّين؟ وماذا سيكون عليه الموقف الإيراني؟ أم لمحاربة «القاعدة» والحوثييّن معاً؟ وماذا لو اتّفقَ الطرفان الأخيران ضدّها، وتمَكّنا من استدراجها إلى حرب استنزاف طويلة؟

في المقابل، ثمَّة مَن يقول في الوسط الديبلوماسي العربي، إنّ موقفَ كيري الأخير مِن طهران لا يُبنَى عليه، وإنّ العواصف الرعديّة الكلاميّة لا تُنبئ بإعصارٍ كبير، ولا حتى بعاصفة تُغيّر اتّجاهات الريح الإيرانيّة – الأميركيّة في اليَمن، والدليل أنّ أوباما كان منشغِلاً مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في طريقة إزالة «التحَدّي الكبير الذي يمثّله الرئيس بشّار الأسد»، بدلاً من انشغاله في طريقة إزالة التحدّي الكبير الذي يمثّله الإيراني في اليمن.

وينطوي استقبال أوباما لأمير قطر في هذا التوقيت بالذات على رسالة عاجلة برَسم الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، ومفادُها أنّ صفقة «الرفال» الفرنسيّة لن تمرّ بلا عقوبات أميركيّة، وأنّ الإصرار على تنويع مصادر الأسلحة للجيش المصري، لن يمرّ بلا ثمن.

هذا هو واقعُ الحال في الشرق الأوسط، مواجهات عدّة على جبهات مختلفة. وجود أمير قطر في البيت الأبيض، وفي هذا التوقيت، يُعقّد العلاقة المصريّة – القطريّة المتوتّرة. جُرحُ التدخّل المصري في ليبيا لا يزال مفتوحاً، والتهمة المصريّة لقطر في دعمِ الإرهاب لا تزال قائمة.

وجاء البيان الصادر عن الأمانة العامّة لمجلس التعاون الخليجي ليَصبّ الزيت على النار، وبَدلاً من «أن يكحّلها، عمَاها»، ووضعَ السعوديّة أمام موقف حرِج، هل انتهى زمن الودّ مع القاهرة، أم أنّ ما يجري مجرّد زوبعة في الفنجان؟

مواجهات عدّة، على جبهات مختلفة، واحدة منها تتّصل بالقمّة العربيّة الدوريّة التي يحضّر لها السيسي في منتجَع شرم الشيخ في نهاية آذار المقبل، وعلى جدول أعمالها: الوضع في اليمن، وسُبل محاربة الإرهاب. لكن قبل الوصول إلى القمّة هل تنجح السعوديّة في إعادة وصلِ ما انقطعَ ما بين القاهرة والدوحة؟ وأين يقف الأميركي من كلّ ما يريده العرَب من القمّة، وأيضاً من البيت الأبيض؟

لا جوابَ لغاية الآن، ولبنان المتروك وحيداً في زمن المواجهات المفتوحة على الجبهات المختلفة، تأتيه نصيحة خليجيّة، هذه المرّة: «على المسيحيّين أن يتحسَّسوا رؤوسَهم. أكثر من 5 آلاف أشوري هجّرهم «داعش» من الحسكة، ونَكَّلَ بالعديد منهم، فماذا فعلَ المجتمع الدولي؟ وأيّ ردّة فِعلٍ، سوى الصمت المخزي؟ أمَا آنَ لهذا الحوار أن ينتهي إلى تفاهم على انتخاب رئيس؟