Site icon IMLebanon

هذه هي «الخطوط الحمر» التي رسمها الموفدون الدَوليّون!

ليس مستغرباً أن تُحاط النتائج المترتبة على أعمال «ثلاثية الحوار» بالغموض الذي سيستمرّ حتى اللحظة الأخيرة. فكلّ ما رافق من مناقشات في اليومين الماضيين لم يُظهر أنّ تبدّلاً مهمّاً قد طرأ في غياب الرعاية الدولية التي أحاطت «دوحة 2008». وهو ما أدّى الى التشكيك الديبلوماسي في قدرات اللبنانيين على ابتداع المخارج.

تزامناً مع انطلاق «ثلاثية الحوار»، يعجّ البلد بحركة للموفدين الدوليين الذين قصدوا بيروت في الأيام القليلة الماضية، كلّ منهم لهدف يختلف عن الآخر.

وإن كان ملف النازحين السوريين الى لبنان ودول الجوار السوري قد شغل بال الموفدة البريطانية وزيرة التنمية الدولية في الحكومة البريطانية بريتي باتيل والموفد الألماني الخاص بقضايا اللاجئين السوريين اندرياس كروغر، فقد كان تسويقُ الإنجازات الإيرانية في سوريا واليمن من مهمة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي.

وما بين هذه العناوين، فقد فرضت البنود المطروحة على هيئة الحوار الوطني نفسها مادة نقاش في لقاءات الموفدين مع مختلف القيادات السياسية والحكومية والحزبية، مضافة الى الجولات البروتوكولية التي تقوم بها السفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد على المسؤولين.

فقد ظهر أنّ جميع الموفدين التقوا على توصيفهم شبه الموحّد لما يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية في ظلّ الصراع القائم بين محورَين تُشكّل طهران طرفه الأول والرياض طرفه الثاني، وإن إختلفت التوصيفات بين اعتباره صراعاً سنّياً – شيعياً أو عربياً – فارسياً.

فالمقصود في النتيجة واحد ومفاده أنّ الرئيس المنتظر بات رهناً بتفاهمهما الذي لا توقيت له في المدى المنظور. وتُثبت محاضر الجلسات التي عقدها الموفدون والسفراء الغربيون وبروجردي إجماعهم في نصائحهم، على رسم أكثر من خطٍّ أحمر أمام التدخلات الخارجية والقيادات اللبنانية في آن، وهو ما يُعوّض نسبياً ويُخفّف من حدة إنتقاداتهم للعجز الظاهر لدى القيادات اللبنانية، خصوصاً اطراف الحوار، عن إدارة الملفات الداخلية وشؤون البلاد والعباد.

وعلى هذه الخلفية، يظهر أنّ من بين الخطوط الحمر البارزة ما يمكن تحديده بالآتي:

– إصرار الجميع على استمرار جلسات الحوار الثنائية بين «المستقبل» و»حزب الله» نيابة عمَّن يرعاهم إقليمياً وخارجياً، والحوار الموسّع بين القيادات اللبنانية في عين التينة، وذلك كمدخل للإبقاء على خطوط التواصل في ما بينهم حتى إذا ما جاءت لحظة التلاقي الخارجية على مخارج الأزمة الكبرى في المنطقة، تسهل ترجمتها في الداخل اللبناني.

– الإستمرار في دعم الحكومة أيّاً كانت العلل التي تعانيها. فهي بنظر الموفدين آخر حصون الشرعية اللبنانية وهي التي تدير البلاد وكالة عن رئيس الجمهورية ولا يمكن التساهل مع أيّ خطوات تعوق عملها.

– دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية، وهو قرار واضح لا يحمل أيّ لبس بعدما توحَّدت النظرة الى المؤسّسة العسكرية وباتت صمّام الأمان لبقاء لبنان الدولة والكيان في مثل هذه المرحلة التي ألغيت فيها الحدود بين دول الجوار واهتزّت أنظمتها.

– حماية الإستقرار المالي والإقتصادي الذي تترجمه الليرة اللبنانية تحديداً والقطاع المصرفي عموماً. وتجلّى ذلك في التراخي الأميركي في تطبيق القانون الخاص بملاحقة وتقويض مصادر تمويل «حزب الله» أسوة بالمنظمات الإرهابية وإعطاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «توكيلاً على بياض» في تحديد سقوف جديدة لهذا القانون بما لا يُسيء الى القطاع المصرفي والوضع الإجتماعي في البلاد من دون أن يمسّ جوهر القانون.

وبناءً على ما تقدّم، يبدو أنّ المتحلّقين حول طاولة الحوار قد أخذوا في الإعتبار هذه الملاحظات الدولية والإقليمية ويلعبون تحت سقفها بمنطقين مختلفين. أصحاب المنطق الأوّل يستغلون هذه الرعاية على حدّ السكين والى النهايات الممكنة، فيما ينظر أصحاب المنطق الثاني الى المخاوف الجدّية التي تقول إنّ هذا الستاتيكو الإقليمي والدولي يمكن أن يهتز بين لحظة وأخرى، فتتلاشى المفاعيل الإيجابية الناجمة منه والتي يحصدها اللبنانيون حداً أدنى من الأمن والإستقرار.

وما بين هذين المنطقين يظهر التشكيك الديبلوماسي عميقاً في قدرات القادة اللبنانيين على مواجهة الإستحقاقات المقبلة على المنطقة. لذلك هم يراقبون الوضع بأدقّ تفاصيله وينصحون بالمبادرة ليكونوا خلف اللبنانيين ويوفروا الدعم المطلوب. ولكن متى؟ وكيف؟