ما حصل في الإدارة خلال الأيام القليلة الماضية لم يكن سهلاً ولا مقبولاً، ولعلّ لبنان لم يواجه مثله حتى في عز الحرب الاهلية. «معركة إقالات» بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و»التيار الوطني الحر» أدّت الى إقصاء موظفين عن مراكزهم في وزارتي التربية والبيئة وفي مؤسسة كهرباء لبنان، ليس لتورطهم في مخالفات او ملفات فساد، وإنما بسبب ألوانهم السياسية والطائفية.
وعليه، كيف يبرّر وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال طارق الخطيب فصل أحد موظفي وزارته من عمله في محمية أرز الشوف؟ وهل انّ ضميره مرتاح؟
لا يخفي الوزراء المعنيون بهذه القضية انّ الموظفين المبعدين دفعوا ثمن النزاع الذي اشتدّ أخيراً بين «التيار» و»الاشتراكي» على اكثر من جبهة داخلية، ما يدفع الى التساؤل عمّا إذا كانت الادارة اللبنانية قد تحولت «خط تماس»، حيث يمكن ان يُصاب الموظف بـ»القنص السياسي»، ويُحاسب على انتمائه وليس على سلوكه.
وفيما تحتاج الادارة بالدرجة الاولى الى تطهيرها من مكامن الفساد والهدر التي أنهكتها، يبدو انّ التطهير بدأ بالمقلوب ومن المكان الخطأ، فبقي الفاسدون المستفيدون من الحمايات والحصانات و»تساقط» آخرون لا شبهات عليهم، فقط لأنّ قواعد اللعبة تتطلب التضحية بـ»كبش» محرقة.
وعندما سألت «الجمهورية» الخطيب عمّا إذا كان ضميره مرتاحاً بعد القرار الذي اتخذه في حق الموظف نزار الهاني (المشرف على محمية أرز الشوف)، أجاب بلا تردد: «ضميري مرتاح جداً، وأنا مقتنع بما فعلته». ويضيف: «البادئ أظلم، والبادئ في ما جرى هو الوزير مروان حمادة وفريقه اللذين فصلا رئيسة دائرة الامتحانات في وزارة التربية هيلدا الخوري من مركزها ظلماً وعدواناً».
وحين يقال للخطيب انّ الرئيس سعد الحريري هو الذي طلب من حمادة استبدال الخوري، يُسارع الى الرد: «أيّاً يكن الذي يقف وراء حمادة او امامه، نحن لا نسكت على التجنّي والكيدية، ولا نقبل ان يتم استضعافنا وتحويل مناصري خطنا السياسي ضحايا». ويتابع: «زمن الاستقواء علينا وتهميشنا وَلّى الى غير رجعة، وعليهم ان يعرفوا ذلك». ويعتبر «انّ قرار حمادة التعسفي بإقصاء الخوري من دون سبب مقنع يعكس سلوكاً ميليشيوياً لا يعترف بدولة القانون والمؤسسات»، متسائلاً: «هل يجوز إعفاء موظفة ناجحة من مهماتها، عقاباً لها على انتمائها؟».
ويشير الخطيب الى «انّ الاجراء الذي اتخذه ضد موظف وزارة البيئة يندرج في إطار المعاملة بالمِثل «وهم أجبرونا على هذا التصرف لكي نضع لهم حداً ونلجم كيديتهم»، مشيراً الى انه «كانت توجد لائحة قيد التحضير لاستهداف موظفين آخرين في وزارة التربية».
ويلفت الخطيب الى انه لم ينّسق مع أحد ولم يراجع أحداً في خصوص ما فعله، «بل تصرفتُ من تلقاء نفسي ووفق اقتناعاتي». ويضيف: «نعم… أنا نقلتُ الموظف نزار الهاني من مركزه لأنه قريب من «الحزب التقدمي»، ولا أستحي في الاعتراف بأنّ دوافعي سياسية رداً على استهداف هيلدا الخوري بسبب لونها السياسي. لقد استعملتُ السلاح نفسه الذي يحاربوننا به».
ويؤكد الخطيب انّ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «لم يكن على علم مسبق» بقراره القاضي بإقصاء أحد الموظفين عن مركزه، كاشفاً «انّ باسيل استاء من الإجراء الذي اتخذته وسألني عن حيثياته وهو كان رافضاً له، بينما على الضفة الأخرى لم يجد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حرجاً في وصف خصومه بالعلوج».
ويشدد الخطيب على انّ التدبير الذي اعتمده «لا يُدرج بتاتاً في خانة الانتقام الطائفي»، مؤكداً ان «لا مشكلة لنا مع الطائفة الدرزية الكريمة، وإنما مشكلتنا هي مع فريق اعتاد على الاستبداد، وكان يجب ان نبلغ إليه رسالة حازمة حتى «يروق شوَي» ويعرف انّ الامور ليست فالتة او سائبة»، موضحاً انه متمسّك بقراره، «ولا أتراجع عنه إلا إذا تراجعوا عن إقالة هيلدا الخوري».
ولدى سؤاله: ماذا لو تكرر سيناريو الخوري مع شخص آخر؟ يجيب الخطيب: «إن عادوا عدنا».