فتَحت عودة الرئيس سعد الحريري من موسكو بعد اللقاءات التي عَقدها مع القادة الروس الكبار، النقاشَ حول ملفّ السلاح الروسي للجيش، والذي أودِع لدى قيادة الجيش التي ستتواصل مع الجانب الروسي، لافتاً إلى أنّ الباب فتِح أمام التعاون العسكري بين البلدين، وهو ما طرَح أسئلةً حول نوعية الأسلحة التي يحتاجها جيشٌ سلاحُه أميركي وأوروبّي ولا يُتقِن اللغة الروسية. لذلك ما هي قصّة السلاح الروسي وحاجات لبنان منه.
ليست المرّة الأولى التي يُفتح فيها النقاش حول إمكان أن يُنوِّع الجيش اللبناني من تسليحه. وكما طُرِح السلاح الإيراني في فترة من الفترات طُرح ملفّ الأسلحة الروسية على أنواعها، خصوصاً في السنوات العشر الماضية التي تلت حربَ العام 2006، وقبل أن تتبدّلَ مهمّة الجيش اللبناني بسبب الحرب السورية النازفة منذ ستّ سنوات ونصف السنة وسلسلةِ الاستحقاقات التي يخوضها في مواجهة الإرهاب على الحدود وفي الداخل، ودخول الجيوش الكبرى على أنواعها إلى العراق وسوريا في حربٍ تنوَّعت أهدافُها، وأبرزُها في مواجهة الإرهاب.
لا يمكن لمَن يتناول هذا الملفّ إلّا أن يعود إلى الوعد بالهبة الروسية التي قطِعت في نهاية العقد الماضي والتي تطوَّرَت من سربٍ من الطائرات الروسيّة «الميغ 29» التي قدِّر ثمنُها يومها بـ 300 مليون دولار ومعها كتيبة من الدبّابات من طراز «ت 72» بسعر وهمي، وصواريخ من طراز «توس» للراجمات، وتحوُّل الطائراتِ النفاثة لاحقاً بسبب كلفةِ صيانتها وحاجتها للإقلاع والهبوط إلى أجواء تفيض عن حجم الأجواء اللبنانية إلى سربٍ من طائرات مروحية هجومية هي الـ«مي 25» عدا عن بعض الأسلحة الأخرى.
لكنّ الأمور جرت على غير ما تمنّاه المسؤولون اللبنانيون والروس معاً في حينه. فطويَت صفحة الهبة الروسية وتجدَّد الحديث عنها أكثر من مرّة من دون أن تصل إلى خواتيمها النهائية لألف سببٍ وسبب، أبرزُها السبب الذي لا يزال قائماً إلى اليوم وهو ما يتّصل بنوعية السلاح الروسي الذي لا يمكن أن ينسجم ويتكامل مع سلاح الجيش الغربي، حتّى إنّ أحد كبار الضبّاط يروي أنّ صفقةً من دبّابات الـ «ت 72» ألغِيَت لتعَذّرِ استبدال ساعاتها وتجهيزاتها من اللغة الروسيّة إلى الأميركية.
لكنْ ورغم التجارب السابقة أو تلك التي انتهَت إلى عدم التفاهم إمّا على تجهيزات بعض الأسلحة، أو لأسباب مادّية أو سياسية، فقد تجدَّد الحديث أخيراً عن التسليح الروسي، فوزيرُ الدفاع كان هناك إبّان حرب «فجر الجرود» للبحث في صفقةٍ جديدة من الأسلحة، وهو أمرٌ أعيدَ طرحُه بين الحريري والمسؤولين الكبار، ولا سيّما وزير الدفاع الجنرال سيرغي شويغو، قبل أن يتناوله مع نظيره ديميتري ميدفيديف وقبل لقائه الرئيس فلاديمير بوتين.
للظروف أحكام، تقول المراجع المعنية، فالروس اليوم باتوا في موقع أقرب إلى لبنان، فهم على بُعد عشرات الكيلومترات من حدود لبنان الشمالية ويخوضون مواجهةً ضدّ الإرهاب، وإنْ كان كِلا البلدين يخوضان المواجهة ذاتها كلٌّ من موقعه في الحلف الدولي وضدّه.
فقد اقتربَت المسافات سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً بين بيروت وموسكو وبات ممكناً تعزيزُ قدرات الجيش بالأسلحة الروسية التي تتناسب وأنواعَ الحروب الجديدة التي يخوضها الجيش سواءٌ في الجرود أو في المناطق الأكثر صعوبة، فالحرب السوريّة أضافت أشكالاً جديدة من الحروب المختلفة وفرَضت أسلحةً متشابهة بين مختلف الجيوش المتورّطة فيها.
وعلى هذه الأسُس، تجَدّد الحديث عن السلاح الروسي والحصول على ما يناسب الجيشَ منه. فقد سبقَ للقيادة العسكرية أن وضَعت عام 2013 خطة تسليح جديدة للسنوات الخمس التي تنتهي سنة 2018 ولحَظت تشكيلَ وحدات قتالية جديدة كان أبرزها الألوية المتخصّصة بحماية الحدود ومواجهة الإرهاب، وهي ألوية تحتاج إلى أسلحة مدفعية متطوّرة وصواريخ مضادّة للدروع ومدفعية ثقيلة وبعيدة المدى، وهي أسلحة روسيّة يمتلكها الجيش من موروثات هباتٍ سوريّة سابقة عدا عن أسلحة عراقية امتلكها الجيش إبّان توَلّي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رئاسة الحكومة الانتقالية.
كان ذلك قبل موجة تسلّحِ الجيش التي قادها الحلف الدولي، يتقدّمه الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون، ولو بنسَبٍ مختلفة، عدا عن الهبات الأردنية وتلك السعودية التي لم تكتمل فصولاً. لذلك كلِه وعند البحث في السلاح الروسي تتبدّل المعطيات والمفاهيم وفق رؤيةٍ جديدة يُلخّصها خبراء عسكريون، فيعترفون بصعوبة استخدامه في الجيش بتركيبته المتكاملة اليوم.
لكنّ السعي إلى أنواع جديدة من الأسلحة الروسية وجَد من يبرّره من خلال نظريةٍ تقول: أيّاً كانت نوعية الأسلحة التي يَمتلكها ويُتقن استخدامها الجيش، والتي طوَّر انواعاً منها ونالت إعجابَ الأميركيين والأوروبيين، يمكِنه الاستفادة من أسلحةٍ روسية خاصةٍ بالوحدات القتالية البرّية والمدرّعة والصاروخية. لذلك اقترَح القادة العسكريون مشروع تشكيل وحداتٍ قتالية مستقلّة تستخدم السلاحَ الروسيّ لصعوبة تجانُسِها مع الأسلحة الغربية.
كأنْ ينشأ فوجٌ أو كتيبة من المدفعية الروسية، فمَدافع الـ 122 ملم و130 ملم الروسيّة أثبَتت فاعليتها، كما لجهةِ إنشاء أفواج مدرّعات وراجمات صاروخية، فهذا النوع من الأسلحة الروسية يستخدمه الجيش للأسباب الآنفة الذكر، كما بالنسبة إلى حاجة الجيش إلى بنادق قنّاصة متفوّقة وقاذفات روسيّة جديدة متطوّرة من الـ«آر بي جي» الخارقة والمتفجّرة، وهو نوع يتفرّد الروس بصناعته ضدّ الأهداف التي يمكن خرقُها أوّلاً قبل أن تتفجّر القذيفة داخلها.
ويؤكّد الخبراء أنّ تشكيل هذه الوحدات والأفواج بالأسلحة الروسية ستُبقيها مستقلّةً عن زميلاتها التي تستخدم السلاح الغربي، فتنتفي الحاجة إلى التنسيق الصعب إنْ لم يكن المستحيل في ما بينها، فكلّ أنواع تجهيزات الإشارة الروسية مثلاً لا تعمل مع الشبكات الغربية المماثلة.
ولا يَستبعد الخبراء العسكريون إمكانَ الاستفادة من الجسور النقّالة البرّية والبرمائية على السواء، فلدى الروس أنواع متطوّرة يَسهل استخدامها في لبنان في حالاتٍ لتكونَ جسوراً بديلة من القائم منها متى دعَت الحاجة إليها في أيّ زمانٍ ومكان.
ومن دون الغوص في تفاصيل كثيرةٍ، كما يقول العارفون، فالملفّ بات في يد القيادة العسكرية اللبنانية التي عليها التواصُل مع الجانب الروسي لتنسيق العملية وتحديد حاجتها من الأسلحة وأنواعها وتحديد مدى الحاجة إليها. مع العِلم أنّه ليس في هذا الملف ما يسمّى بـ»الهبات»، فالروس لا يَفهمون معنى الهبات في الاقتصاد وتجارة الأسلحة في هذه المرحلة بالذات، إذ لكلّ قطعة ثمنُها وبالعملة الصعبة.