هذه هي رواية «عثمان مقابل روكز»
«الحريريون»: طاولة الحوار لا تزال حاجة ماسة
يتصرّف «الحريريون» على أساس أنّ تأجيل تسريح قائد الجيش صار محسوماً، وإن كانوا يرفضون الإفصاح عن الأمر علانية. يتحججون بمسافة الأشهر الثلاثة المتبقية من ولاية التأجيل الأول، كي لا يقطعوا خيط القطن مع الرابية، مع أنّ جنرالها صار متيقناً أنّ محاولات الترغيب والترهيب التي مارسها خلال الفترة الأخيرة، ستوضع في سلة المهملات.
وللسبب عينه، لا يقنعهم التصعيد البرتقالي تجاه الحكومة التي جمّد جدول أعمالها «طالما أنّ هناك مزيداً من الوقت لبتّ مصير قيادة الجيش، فلماذا تعطيل الحكومة منذ اليوم إذا كان هامش الزمن لا يزال متاحاً؟»
في دفتر حساباتهم المعادلة صارت واضحة: قيادة الجيش موقع سياسي لا يمكن موازنته بأي موقع أمني آخر، وبالتالي لا بدّ من مقاربة أخرى كمدخل للتفاهم السياسي على تعيين بديل لقائد الجيش. لا يعني ذلك أنّ ثمة فيتو «أزرق» على العميد شامل روكز، لا بل يُسمع كلام طيب في بيت الوسط عنه وعن مناقبيته وأدائه، ولكن وصوله الى أعلى القمة في المؤسسة العسكرية له حساباته السياسية المختلفة.
هذا الكلام الذي نقله بوضوح النائب السابق غطاس خوري الى العماد ميشال عون، هو الذي يعبّر عن حقيقة موقف سعد الحريري، كما يقول المقربون منه، من دون أن يعني ذلك أنّ ثمة تعارضاً بين ما وضع على طاولة الجنرال مؤخراً وبين ما قيل له في بيت الوسط في تلك الزيارة التي قام بها الى الحريري.
يؤكد الحريريون أنه في تلك الليلة لم يعط المضيف أي التزام بشأن قيادة الجيش. كل ما حصل هو أنّ الحريري فاتح ضيفه برغبته في إيصال العميد عماد عثمان الى رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، فردّ الجنرال بأنّه في المقابل لديه مرشح لقيادة الجيش. عندها طلب الحريري لقاء هذا «المرشح»، من دون أن يرفق طلبه، لا بردّ سلبي ولا برد إيجابيّ.
وهكذ حصل، التقى رئيس الحكومة السابق العميد شامل روكز للتعرف اليه أكثر. لكنه لم يبلغه موافقته السير به كقائد جديد للجيش ولا العكس. ولهذا لا يجد الحريريون مبرراً للغضب البرتقالي وللإصرار على عرقلة عمل الحكومة، مع أنّ للعماد عون «مكانة خاصة» في ذهن العديد من المقربين من سعد الحريري كونه «يتمتع بقماشة وطنية حقيقية»، على حدّ ما يقول أحدهم.
عملياً، لا يزال هؤلاء يتحدثون عن اصرارهم على الحفاظ على علاقة طيبة مع سيد الرابية، مع أن تطور الأحداث هو الذي سيفرض نفسه على نمط التواصل ومصيره.
بالنسبة لهم، اتهامهم باللعب على وتر التطورات الإقليمية، وتحديداً السورية، لتحديد موعد جديد في أيلول المقبل، ليس في محله. يقولون بصراحة إنّ الرهان على حسم المعارك في سوريا في وقت قريب هو ضرب من ضروب الخيال، لأن انتهاء المعارك لمصلحة أحد الأطراف في وقت سريع هو مستبعد. غير أنّ تسارع الأعمال العسكرية من شأنه أن يعجّل في الحل السياسي، لا سيما بعد التدهور العسكري الذي يتعرض له النظام.
في هذه الأثناء، يحاول لبنان تطويق النيران التي قد تتسلل عبر حدوده الشرقية، حيث لا يرى «المستقبليون» غير الجيش كصاحب صلاحية لإتمام هذه المهمة، ولهذا كان الإصرار داخل مجلس الوزراء على تكليف المؤسسة العسكرية بهذا الواجب، مع العلم أنّ لقيادتها تقديراتها العسكرية التي تتحرك على أساسها، حيث قد لا تنفع تنظيرات السياسيين في هذا المجال.
ولهذا يعتبر هؤلاء أنّ حسابات «التيار الوطني الحر» التي تدفع به للضغط على المؤسسة العسكرية للتدخل في جرود عرسال، تختلف عن اعتبارات «حزب الله». فالفريق الأول يحاول «التنقير» على قائد الجيش لمصالح رئاسية ولها علاقة بالتعيينات العسكرية، فيما الفريق الثاني يقيسها بعين المعارك العسكرية الحاصلة في سوريا والعمل على تحصين المربع الحدودي. وفي مطلق الأحوال، فإنّ هذا الضغط هو تكديس للأخطاء فوق الأخطاء إذا ما كانت نتيجته إدخال أهالي عرسال في اتون الفتنة.
وعلى الرغم من المعارك الكلامية بين «المستقبل» و «حزب الله» على خلفية الصراع في سوريا كما الحرب في اليمن، فإنّ جلسات الحوار بين الفريقين مستمرة ومن دون أي تردد. يقول أحد الحريريين إنّ هذه الطاولة هي طاولة الحوار الوحيدة في العالم العربي الحاصلة بين فريقين سني وشيعي، مؤكداً أنّ الطرفين مقتنعان بضرورة الحفاظ على الاستقرار، وهذه وظيفة الحوار، الذي لا مفرّ منه.
كما ينفي حصول ازدواجية في الخطاب «الأزرق»، مشيراً الى أنّ قائمة المواضيع المتفق على اخراجها من حلبة السجال السياسي لا تشمل سوريا واليمن، وبالتالي فإنّ «التقاتل عبر الأثير» حول هاتين المسألتين «لا يتعارض أبداً مع ما يتمّ الاتفاق عليه على الطاولة المستديرة، التي لا تزال حاجة ماسة، لنا ولهم».