IMLebanon

هذه هي «المسارب» التي أقفلها نصرالله… وما تبقّى منها!

بلغة هادئة وأعصاب باردة، أقفل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الجدل حول قضايا كثيرة كانت تُفخّخ الطريق الى جلسة نهاية الشهر لانتخاب رئيس الجمهورية. وبـ«كاسحة ألغام» فكّك البعض منها، وأشار بوضوح الى ما تبقّى من مسارب يمكن أن يتسلّل منها ما يمسّ التحضيرات لاستحقاق هادئ، فطمأن طائفته وتجاوَز الردّ على الرئيس سعد الحريري وبَرّر للرئيس نبيه برّي موقفه، وشكر للنائب سليمان فرنجية، وشكّك في «القوات» و«المستقبل»، ونصح جمهور «التيار الوطني الحر». لماذا وكيف؟

قبل أن يُعيد المراقبون قراءة كلمة نصرالله للوقوف على ما تضمّنته من جديد في كل مفاصلها الإقليمية والمحلية، إنتظروا رداً تقليدياً من الرئيس سعد الحريري، فلم يصدر بعد.

وهو ما أوحَى بوجود مؤشرات على تفاهم ما نُسج في الفترة الأخيرة التي كان فيها الحوار مفتوحاً على شتى الإحتمالات والخيارات بين التيارين الأزرق والبرتقالي وما رافقه من ضمانات وتعهدات ووعود متبادلة لم يكن «حزب الله» بعيداً منها.

فقد كان الحزب ضامناً للبعض منها نيابة عن حلفائه بالإضافة الى قوى إقليمية ودولية رَعت من بعيد تفاهمات نُسجَت بأيد لبنانية وقدّمت أدقّ تفاصيلها الى عواصمها أولاً بأوّل، وهو ما عبّرت عنه حركة الحريري شخصياً الى أكثر من عاصمة عَدا عن موفدين آخرين من جنسيات مختلفة.

على هذه الخلفيات، فُهم من «حجم التضحيات» التي قدّمها الحزب مقابل تَبنّي «المستقبل» ترشيح عون أنّ هناك نوعاً من «العفو المتبادل» بينهما، عَبّر عنه خطاب نصرالله وصمت الحريري إزاء الملفات الكبرى التي لا قدرة للبنانيين على مقاربتها في المرحلة الراهنة، فأكّد الأول دوره المُستدام في سوريا الى النهاية الحتمية له، وقرّر الثاني على ما يبدو غَضّ النظر عنه. وهو تفاهم ظلّل مبادرات الحريري الأخيرة في اتجاه عون.

وكل ذلك تمّ برضى وتفهّم متبادل سَهّل الوصول الى إنجازات على أكثر من صعيد، ما قاد الى تفسيرين:

– الأول يقول بوجود مباركة مبطّنة بين راعيَي الطرفين الإقليميين في الرياض وطهران من دون أيّ إعلان مباشر. وربما شَكّل هذا التوافق ثمرة تفاهم على إبعاد الساحة اللبنانية من الساحات الأخرى التي تشهد مواجهة بينهما مفتوحة على شتى الإحتمالات السياسية والعسكرية.

– والثاني يدلّ على أهمية الرعاية الدولية للوضع في لبنان والتي لجمت الطرفين الإقليميين فأبقَت الساحة اللبنانية ساحة تفاهم وحيدة بينهما. وهو ما سَهّل الوصول الى ما أنجزته المبادرات الأوروبية والأممية التي قادها موفدون أمميّون واوروبيون والفاتيكان في اتجاه طهران والرياض على مدى السنوات الماضية والتي هدف بعضها لإمرار الاستحقاق الرئاسي في البلد وضمان استقراره بالحد الأدنى. فانكفأت الرياض علناً عنها وأولَت إيران مسؤولية إدارتها الى «حزب الله» بعدما غاب موفدوها في الفترة الأخيرة عن بيروت.

وكل ذلك تحقّق – بحسب مصادر ديبلوماسية وسياسية مُطّلعة – في لحظة سُمح فيها بإمرار الملف اللبناني وسَحبه من لائحة الملفات الشائكة منعاً لأيّ احتكاك او توتر قد تشهده ساحة بلد لا يتحمّل بتركيبته الهشّة حَجم ردّات الفِعل التي تسبّبت بها الأزمات اليمنية والسورية والعراقية.

ومن اجل أن يبقى هذا البلد ملجأ مقفلاً للنازحين ومقرّاً لكل اصحاب المبادرات الأممية المعنية بالملف السوري ومقراً ومعبراً آمناً لجميع الذين يراقبون الوضع فيها عن قرب وللاحتفاظ به قاعدة خلفية تستخدم مستودعاً وبوابة عبور الى ورشة إعادة إعمار سوريا والعراق لاحقاً.

وزاد من قناعة القائلين إنّ الإستحقاق لم يكن طبخة لبنانية داخلية خالصة بل هو ثمار حراك ورعاية دوليين، ما أكّدته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ التي جزمت أن «لا فيتو رئاسياً لإيران أو السعودية على أيّ مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان»، مشيرةً إلى أنّ موقف مجلس الأمن الدولي وكذلك الدول التي زارَتها واحد، وهو «أنّ على اللبنانيين اتخاذ القرار، ولكن التحالفات والتفاهمات بين القادة في لبنان وبعض الدول الخارجية تُشجّع ربما على تسريع الخطوات»، في إشارة الى ما شهدته الساحة اللبنانية من تحولات رئاسية في الأيام الماضية.

وتَوغّلت في إشارتها الى عمق تأثير الخارج على الإستحقاق، فقالت إنه «في خضمّ الأزمات والمتغيّرات السياسية في المنطقة والعالم، فإنّ لبنان لم يعد يشكّل أولوية. وبالتالي، على القيادات أن تعمل على وضعِه مرةً جديدة على الخريطة بما خَصّ تلبية حاجاته».

ومن هذه البوّابة الإقليمية والدولية، يمكن فهم عدم إحداث خطاب نصر الله الأخير أيّ ترددات دائرية للحجر الذي ألقاه في بركة المياه الرئاسية الراكدة، فعزّز هدوءَها بَدل تعكيرها. وألقى بالوجوم على المعارضين لِما تمّ التوصّل اليه، ولاذَ المؤيدون بالصمت فلم يجدوا مادة للجدل.

وعلى رغم ما حَفل به خطاب الحريري من انتقادات للحزب ودوره في سوريا والمنطقة فقد تراجع عن الردّ عليه بالصمت الموقت لكنه توجّه الى آخرين بسَيل من الرسائل بلهجات مختلفة.

ومن هذه الخلفيات، فهم حجم تفهّمه لردّ فِعل بري بعد طمأنة الطائفة الشيعية الى العلاقات المميزة بين «أمل» و»حزب الله»، داعياً الأطراف التي يتّهمها برّي بتجاهله الى «واجب توضيح» التفاهمات السرية التي اعترض عليها بكل شفافية وجرأة حتى بنى عليها مواقفه الأخيرة من انتخاب عون وانتقاله الى صفوف المعارضة. ولا ننسى أنّ نصرالله أبعَد عمداً أيّ اتهام للحريري عندما أبعد عن تفاهمه وعون تهمة «الثنائية السنية – المارونية».

وكانت الكلمة مناسبة ليُشيد بالمرشّح «الصديق والحليف» سليمان فرنجية الذي «يفهمنا ونفهمه»، كما وجّه رسالة قاسية الى جمهور «التيار الوطني الحر» الذي يشكّك في صدقية التزام الحزب تجاه عون لانتخابه رئيساً، ملمّحاً الى دور لحلفائهم الجدد لِدقّ إسفين بين جمهوري «التيار» والمقاومة، أي «القوات اللبنانية» و»المستقبل» في آن.

وبناء على ما تقدم، وفي انتظار ردات فعل برّي وفرنجية، يبقى ثابتاً أنّ نصر الله أقفل مسارب كثيرة تُهدّد الاستحقاق في جلسة 31 الجاري مُبعداً بكاسحة الألغام التي استخدمها كل المعوقات لتبقى المراحل الدستورية والسياسية التي تليه معلّقة على حبل التزام الجميع ما تعهّدوا به والظروف التي ستتحكم بها.