Site icon IMLebanon

هذه حقيقة تفاهم «حزب الله» وباسيل لتغيير وجه لبنان

 

أثار الوزير جبران باسيل الكثير من الغبار السياسي حوله في كل ما طرحه من عناوينَ وشعاراتٍ حاملة لعلامات الإستفهام، فذهب البعضُ إلى تسطيح ما قاله وإلى الإستهزاء بهذه الظاهرة ورميه بالنعوت السلبية والاتهامات بالعنصرية والطائفية، بينما وصل الأمر ببعض من يخطبون ودّه (قناعة أو نفاقاً لا فرق) إلى وصفه بأنه «الرب»، وبين كلّ هذه الموجات تكمن حقيقة واحدة: وهي أن جبران باسيل كان الأسرع في تحقيق أهدافه الشخصية والسياسية، بغض النظر عن الوسائل التي إستخدمها للوصول إلى ما هو عليه الآن.

 

في هذه السطور أرغب أن أقرأ بهدوء أحد أهم شعارات باسيل التي ترافقه ويعتبرها «شيفرة سياسية» يستند إليها، ومن خلال فكّها وتبيان حقيقتها، يمكن العثور على الجانب المتواري من شخصية باسيل السياسية، والذي بدأ يظهر تدريجياً مع تقدّم مشروعه وتطوّر مراحله التي أصبح قسم منها معلناً وظاهراً، ولكن البعض يصرّ على تجاهله حتى لا يعترف بخطأ ما إرتكبه شركاء التسوية الرئاسية المريرة.

 

إعادة تعريف محطات الحرب

 

يعتبر باسيل أن الشرعية الفعلية هي تلك التي كانت قائمة بقيادة العماد ميشال عون خلال الحرب الأهلية، وبدأت منذ أواخر عهد الرئيس أمين الجميل الذي إنتهى بتسليم عون السلطة كونه قائد الجيش، بما يعني أنه يريد إعادة تعريف مراحل تلك الحرب وربطها بموقع تياره من خلال وجود العماد عون فيها، ليكتسب «شرعية القتال» بمفعولٍ رجعي.

 

كرّس باسيل هذا المفهوم خلال كلمته التي ألقاها في بلدة الكحالة عند بداية جولته الأخيرة في الجبل، وقبيل إنفجار الإحتقان الناجم عن مواقفه الدائمة الإستفزاز.

 

قال باسيل: «…وكم كانت الكحالة وضهر الوحش وسوق الغرب وكل هذا الشريط هو حماية للشرعية اللبنانية، هنا الشرعية جرى حمايتها، لو سقطت الكحالة، كانت سقطت الشرعية اللبنانية بمعناها العميق والتي نحن حتى اليوم ندافع عنها ولا نزال نمثلها بأي موقع كنا، وحتى عندما كنا بالنفي الجسدي والسياسي، لم نخرج عن الشرعية والقانون او عن الدستور، حتى عندما فرض قبلنا به لانه على الدوام خلفيتنا الفكرية هي الشرعية والدولة والدستور والقانون، وهذا ما يحفظنا ويحفظ البلد، ونحاول ان نعمم هذا التفكير الذي، عندما يعمم في كل لبنان، لا يعود لدينا مشاكل، فعندما نصبح جميعاً ضمنه نصبح متساويين ومتعادلين».

 

«الشرعية العميقة»؟!

 

الشرعية بمعناها العميق بالنسبة لباسيل هي تلك التي كانت تمثل جزءاً من الصراع والإنقسام في الحرب الغابرة..

 

يتقلّب جبران بين الباحث عن تاريخٍ له في الحرب يستند إليه ليكتسب العمق الذي يفتقده، فينسب نفسه إلى جيش عون، وهو فعلياً لم يكن على خريطة العمل العسكري أو السياسي، ولكنه يقع في تناقضٍ آخر عندما يقول إنه وتياره لم يشارك في الحرب..

 

بين كل هذا التناقض يبرز خيطٌ رفيع، هو خيط البحث عن الشرعية.

 

يريد باسيل أن يقنع نفسه وأن يلقي في روع جمهوره أن جيش عون كان هو الشرعية وليس إتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه، وأن هذا الخط هو «الشرعية العميقة»، وربما خانه التعبير وكان يجب أن يقول «الدولة العميقة».

 

شرعية الإنقسام أم شرعية الطائف؟

 

هذا الإصرار من باسيل على وصف مجموعةٍ من الجيش شاركت في الحرب الأهلية، وخرجت على الدولة لأنها رفضت إتفاق الطائف، يدفع للتساؤل:

 

ماذا يريد باسيل من تكرار هذا الموقف، خاصة أنه بهذا الكلام يعتبر أن جيش عون كان على حق، وأن السلطة المنبثقة عن إتفاق الطائف غير شرعية.. وماذا يعني إعادة إنتاج هذا الموقف الآن؟

 

إن كلام باسيل هذا يحمل في طياته إصراراً على طعن الطائف وتمزيق الدستور، لتبرير العودة إلى ما قبله، ونـَلِجُ هنا إلى شعارات المرحلة التي يطرحها صهر العهد اليوم، وتحديداً ما يسميه إستعادة حقوق المسيحيين وتكريس ما يعتبره إحياء صلاحيات رئاسة الجمهورية وفرض معادلة أخرى في كل وظائف الدولة من أعلاها إلى أدناها، ناسفاً ما أنجزه اللبنانيون في دستورهم من إيقافٍ للعدّ السكاني بين المسلمين والمسيحيين، وإقرار المناصفة على أساس الشراكة الوطنية، وتكريسها في وظائف الفئة الأولى وتحرير سائر الوظائف دونها من القيد الطائفي.

 

إعادة عقارب التاريخ

 

ثمة بُعدٌ آخر في مقاربات باسيل لـ«الشرعية»، حيث يربط المحطات التاريخية الفاصلة بوجوده أم عدمه فيها. فعلى سبيل المثال، إعتبر أن المصالحة لم تحصل في الجبل لأنه لم يكن مشاركاً هو وتياره فيها، لذلك أصرّ على تنظيم «قداس التوبة والغفران» ليعيد صياغة المشهد من جديد فكان نبشُ القبور وإحياءُ الجراح وملامسة الفتنة..

 

السؤال الأخطر هنا:

 

هل يعبـّر باسيل عن موقف الرئيس عون بهذا الخطاب؟ وكيف يمكن فهم موقفٍ يشكّك بالنظام السياسي الذي جاء عون من خلاله إلى رئاسة الجمهورية ولماذا سكوت الرئيس؟

 

أم أن المقصود هو فعلاً تقويض الدستور وإتمامُ ما عجز عنه عون خلال الحرب، عبر تقويض وتجويف كل المواقع الدستورية لصالح رئاسة الجمهورية؟

 

الحرب على «رجال الطائف»

 

ما هو سرّ حرب باسيل على رجال الطائف وأركانه وركائزه: وليد جنبلاط وسمير جعجع ونبيه بري وسليمان فرنجية، بعد أن نجح في تحييد تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري مهدّداً صلاحياته وموقعه، رغم أن بعضهم يتموضع في خط الممانعة، أعني الرئيس بري والنائب السابق فرنجية؟

 

بدأنا الآن نرى فعلاً أن باسيل لا يعمل فقط ليصل إلى رئاسة الجمهورية، بل إن لديه مهمةً يعمل على إتمامها بدأب وبدون توقف، وهي الهدف الحقيقي لـ«حزب الله» والذي تقاطعت مصالحه بشأنه مع التيار العوني بشكلٍ كامل. إنها ضرب أركان الطائف كقوى سياسية، بالتوازي مع تفريغ الدستور والتلاعب بالصلاحيات من خلال ممارسات الأمر الواقع وتحويلها «أعرافاً» كفيلة، في حال إستمرت، بالقضاء على الدستور وفرض مسارٍ يؤدي إلى تغيير النظام السياسي نحو مثالثةٍ تطلّ برأسها بين الحين والآخر، وهذا هو التهديد الأخطر لمصير المسيحيين، وللصيغة اللبنانية، في وقتٍ تتماوج فيه الخرائط الجغرافية والسياسية على وقع الحروب والدماء!!

 

 

بين شرعية العهد و«شرعية» الحرب

 

السؤال الأكثر إثارة للإستغراب هو لماذا يتمسك باسيل بما يسميه شرعيةً إنتهت بهزيمة عون وخروجه من لبنان وكان جيشـه جزءاً من الحرب الأهلية لا يختلف عن أي ميليشيا خاضت القتال الداخلي وارتكبت الإنتهاكات، قصفاً وتدميراً وقتلاً، ويفترض أن ذلك انتهى عندما ألقت الحرب أوزارها وحلّ السلم الأهلي بموجب إتفاق ودستور الطائف..

 

لماذا يتمسك باسيل بشرعيةٍ كانت عملياً عاملَ إنقسامٍ وإنشطار، بينما يحوز تيارُه على وجود رئيسه العماد عون على رأس الدولة اليوم، وهو رمز الشرعية الدستورية وهرمها الأعلى؟

 

هذه الأسئلة تتعاظم لأن السلوك السياسي لجبران باسيل، يُشعل الحرائق المتنقلة، ميدانياً وسياسياً، على خلفية ما جرى خلال زيارة باسيل إلى بشري، مما يوحي بأن أوار الفتنة الباسيلية سيزداد تسعيراً، وأن جولة الاصطدام في الجبل ليست سوى محطة في الحرب المفتوحة على خصوم العهد ورجال الطائف.

 

من الواضح والمؤسف في آن معاً، هو أن هناك من لا يتعظ من التاريخ الذي يتحدث عن الآثار المدمرة لفائض القوة لدى كل فريق أراد من خلالها حكم البلد وعزل الآخرين، فكانت حروب ضائعة وضحايا لا تعد ولا تحصى.

 

ليس جبران باسيل مشروعَ سلطةٍ عابراً، وقد إستفاد كثيراً من إستصغار الكثيرين لشأنه ومن موجات الإثارة حوله ليضخم حضوره بين أتباعه ويحرج القوى المسيحية المعتدلة، فامتنعت عن مواجهته لأنه بات يمثل لدى جمهور مسيحيّ عريض «المسيحيَّ القويّ»، وقد وصل الآن إلى محطة مفصلية في مشروعه المشترك مع «حزب الله» في تغيير وجه لبنان وتحويله من وطن الشراكة إلى نظام الاستئثار.

 

هذه هي الحقيقة التي ينبغي على الجميع مواجهتها الآن بدون مواربة، وعلى المعنيين بالتسوية أن يدركوا أنهم باتوا داخل القفص وأن الإطباق عليهم لم يعد سوى مسألة وقت.. فماذا أنتم فاعلون؟