الخطاب العروبي يعطل صواعق الفتنة
هذه هي خلفيات تصعيد «حزب الله» ضد السعودية
تاريخ شائك ومعقّد يربط «حزب الله» والسعودية، فقلما كانت العلاقة بينهما سليمة، بل لطالما كانت محتقنة ومتوترة، وفي احسن حالاتها اتسمت بانعدام الثقة.
رغم ذلك، لم يدخلا في مواجهات علنية. كانا يشتبكان بالواسطة، «حزب الله» طرف اساسي في تلك المواجهة، واما السعودية فتحرص على الا تظهر طرفا مباشرا فيها وإنما عبر حلفائها، وفي مقدمهم «تيار المستقبل».
بلا مقدمات، ألقى «حزب الله» جانباً كل ما كان يعتبرها تحفظات، او محرّمات، او محظورات، او عمليات تجميل لعلاقته مع المملكة، ودخل من الباب اليمني في ما يسميها حزبيون «حالة العداء العلني والمكشوف مع السعودية»، وبسقف غير مسبوق في التصعيد، والهجوم، والضرب فوق الخاصرة وتحتها في آن معًا، وصولا الى الهجوم المباشر على آل سعود!
هنا يحضر السؤال، الى اين سيصل «حزب الله» في هجومه هذا؟
المؤشرات الحزبية تقول بالوصول الى المدى الأبعد في الهجوم، السيد حسن نصرالله تقصّد الا يحدد سقفا، ذهب الى ذروة الهجوم متبعا ذلك بقوله: «مهما كانت التبعات». وخلف كلام كهذا قرار كبير بالقفز فوق كل الاعتبارات، وانهاء فترة المجاملات والمراعاة. ولكن لماذا استهداف الملوك مباشرة، وفي مقدمهم الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود؟
يقدم حزبيون الجواب التالي:
اولا، قرار «حزب الله» هذا، اتخذ بعد تقييم ودرس معمقين، وهو ماض فيه، وليس في وارد ان يتمنى على حلفائه الالتزام به ومماشاته، ولا هو ايضا في وارد ان ينزل عند تمنيات بعض حلفائه بالتراجع عن هذا القرار.
ثانيا، يبدو القرار مرتكزا على محاولة «كسر هيبة» واضحة وبمفعول رجعي، يعتمدها الحزب تجاه العائلة الحاكمة، «فلو استعرضنا صفحات السنوات الاخيرة فليس فيها سوى محاولات كسر لهيبة كل قوى المقاومة في لبنان وسوريا وايران، وحزب الله على وجه الخصوص».
ثالثا، يبدو القرار مرتكزا ايضا على رسالة مباشرة الى السعودية: «سكتنا طويلا، تحملنا كثيرا، عضضنا على الجرح، وكظمنا الغيظ.. اما الآن، فكلامنا كالسيف، لقد تجاوزنا تهديداتكم، ولم يعد في إمكانكم ابتزازنا كما كنتم في السابق، بالسياسة، او بالحوار، او بالحكومة، أو بالأمن، أو بالشحن والتحريض المذهبي، او بالفتنة، أو باللبنانيين الموجودين في الخليج. لقد حدد حزب الله خياره علانية، ولن يترككم تهزمونه بل سيهزمكم».
رابعا، السيد نصرالله، حدد في إطلالاته الاخيرة، الاسباب التي دفعت الحزب الى النزول بلا قفازات، الى حلبة الملاكمة المباشرة والعنيفة مع السعودية، لتصبح المواجهة أشبه بحالة حرب مباشرة ومفتوحة لا ينقصها سوى قرقعة السلاح.
خامسا، اليوم اليمن وغدًا سوريا ولبنان. هكذا قرأ «حزب الله» في الهدف السعودي من الحرب على اليمن، وقرأ ايضا ان السعودية اشعلت هذه الحرب ارتكازا على يقين بتحقيق انتصار عسكري سريع وكبير في اليمن، سيتدحرج حتما في اتجاه سوريا فيهزم بشار الاسد، كذلك في اتجاه لبنان لإلحاق الهزيمة بـ «حزب الله» وحلفائه.
سادسا، اذا كان «حزب الله» يرى ان من واجبه نصرة الشعب اليمني في مواجهة الحرب السعودية، فإن الحزب يرى أن من الطبيعي ان يقف الحزب مع نفسه في مواجهة الهدف السعودي الذي يطاله في النهاية، ومحاولة احباطه و «خربطة اجندة الاولويات السعودية، بشتى الطرق والوسائل، إن برفع الجهوزية الحزبية ومستوى التحسّب والتحفز في سوريا ولبنان، او بالاطلالة المباشرة والفاعلة معنويا واعلاميا على اليمن الذي يعتبره السعودي حديقته الخلفية».
سابعا، «حزب الله» حاسم بتوقعه «نتائج عكسية» سترتد على السعودية، وفشل الحل العسكري معناه فشل الحرب السعودية، والفشل في الساحة اليمنية سيتدحرج حتما الى ساحات اخرى.
ولكن الا يخشى «حزب الله» من ان يفتح تدخله في اليمن، على توترات داخلية وشحن مذهبي يشرّع الابواب امام فتنة سنية شيعية؟
يقول حزبيون: «لو كانت هناك نذر فتنة او امكانية لهذه الفتنة لبانت في البدايات، يمكن القول انه قد تم تجاوزها. في السابق كدنا ان ندخل في فتنة مع اي حدث بسيط. واما اليوم فهناك عجز لان المملكة عندما تنشغل مباشرة في امر ما لا تستطيع ان تنشغل في امر آخر، فضلا عن أن العنوان السني الشيعي للحرب على اليمن لم يكن مقنعا لأحد»، وهنا تحديداً جاء الخطاب العروبي للسيد نصر الله ليعطّل كل صواعق الفتنة بوجهيها السني ـ الشيعي والعربي ـ الفارسي، وليضع الحرب اليمنية في سياق أبعادها الحقيقية.