بين ليلة وضحاها، صارت الحكومة عالقة في حقيبة. فجأة أصبح «العدل» اساس.. التأليف. رئيس الجمهورية يتمسّك بالوزارة الحيوية و«القوات اللبنانية» تحاول الاستحواذ عليها. هل هي قصة «عدل» ام «دلع»؟
يبدو أنّ الرئيس ميشال عون لن يسمح بتجريده من أحد أهم أسلحته الداخلية، فيما هو يستعد لمعركة طاحنة في مجال مكافحة الفساد والنهوض بالدولة خلال المرحلة المقبلة، على ما يوحي المحيطون به، وبالتالي فانّه لن يقبل بتضييق الخناق عليه عبر فكيّ كمّاشة وزارية: «الداخلية» التي ستكون بحوزة «تيّار المستقبل»، و»العدل» التي تسعى «القوات» الى انتزاعها.
بهذا المعنى، فانّ عون لن يكون مطمئناً حيال إمساك تحالف الحريري- جعجع بعنق الأمن والقضاء، مع ما يرتّبه ذلك من إخلال في معادلة دقيقة على مستوى مراكز القوى والقرار، لاسيما أنّ لكل من الرئيس المكلّف ورئيس «القوات» بُعداً إقليمياً واحداً.
ويفترض عون أنّ «العدل» يجب أن تكون تحت مظلة رئاسة الجمهورية التي ترمز الى وحدة الدولة والوطن، وليس تحت رحمة جهة حزبية، لها حساباتها ومصالحها التي قد تنعكس سلباً على ملفات حسّاسة تُعنى بها هذه الوزارة، فيما يلفت مؤيّدو مطلب معراب الى انتفاء المبرّر لأي هواجس، خصوصاً انّه كانت لـ»القوات»، في رأيهم، تجربة ناجحة مع «العدل» في أيام الوزير ابراهيم نجار.
ولعلّ ما يزيد من حساسية هذه الحقيبة صلتها بمحطتين مرتقبتين في المدى المنظور، الأولى إصدار المحكمة الدولية حكمها في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري، والثانية إصدار القضاء حكمه في قضية «المؤسسة اللبنانية للارسال» التي هي موضع نزاع بين سمير جعجع وبيار الضاهر.
وعلى وقع التجاذب الحاد حول بعض الحقائب، هناك من يعتقد أنّ حسابات الحريري وجعجع انتكست عقب تخلّي جنبلاط عنهما في منتصف الطريق، ومبادرته الى فصل المسارات التفاوضية عبر «بيع» التنازل عن الوزير الدرزي الثالث الى عون تحديداً وترتيب وضعه في الحكومة، بمعزل عن رئيسي «المستقبل» و«القوات» اللذين كانا يخوضان المفاوضات على قاعدة انّ جنبلاط يدخل معهما الحكومة او يبقى معهما خارجها، وهذا ما كان يعزز أوراق الضغط التي بحوزتهما.
وتعتبر شخصية بارزة ضمن الفريق اللصيق بعون، انّ وزارة العدل اكتسبت حضوراً وازناً ودوراً محورياً في عهده، لافتة الى انّ الوزارة «نفضت الغبار عن قضايا صعبة وأنجزت التشكيلات القضائية وحرّكت المجلس العدلي ودفعت نحو إتمام محاكمات كانت معلّقة، والأهم انّها وضعت الأمن في خدمة القضاء، بعدما كان بعض القضاة للأسف في خدمة الأمن وأجهزته».
وانطلاقاً من هذه التجربة، تؤكّد تلك الشخصية تصميم عون على الإحتفاظ بحقيبة العدل، مشددة على انّه لم يعِد أي طرف بمنحه إيّاها، «وليس صحيحاً انّه كان قد وعد «القوات» بها ثم تراجع، ورئيس «التيّار الحر» الوزير جبران باسيل لم يفعل ذلك ايضاً في أي لحظة».
وترجّح الشخصية القريبة من عون أن يظل رئيس الجمهورية متمسكاً بموقفه حتى النهاية، بعدما قدّم ما يكفي من التنازلات لتسهيل ولادة الحكومة، حين تخلّى عن نيابة رئاسة الحكومة لـ»القوات»، ووافق على رفع حصّتها الوزارية من 3 الى 4 مقاعد وزارية.
وتعتقد الشخصية نفسها انّ جعجع هو الذي حشر نفسه في هذه الزاوية الضيّقة عندما وافق على التخلّي عن «الصحة» لـ«حزب الله»، وترك «التربية» لجنبلاط، وامتنع عن المطالبة بـ«الأشغال» تجنباً لاستفزاز سليمان فرنجية عشية إتمام المصالحة بين «القوات» و«المردة»، فلم يبق أمامه من ضمن الحقائب الاساسية، غير السيادية، سوى «العدل» في اعتبار انّ وجهة الحقائب الاخرى باتت محسومة.
وتحذّر الشخصية المنضوية ضمن فريق عون من انّ منح «العدل» الى معراب هو أسوأ خيار ممكن، قياساً الى تجربة وزرائها في الحقائب التي استلموها في الحكومة المستقيلة، «وبالتالي فإن «القوات» إذا نالت هذه الحقيبة ستستخدم شعار مكافحة الفساد في إطار ديماغوجي، كعنوان برّاق من دون مضمون او كتلك «الآرمة» التي تُضاء في الليل ولا يوجد خلفها شيء».
وتعرب هذه الشخصية عن اعتقادها بأنّ جعجع إقتنع على الأرجح بصعوبة الحصول على وزارة العدل وكذلك بصعوبة الخروج من الحكومة، ولذلك لم يبق لديه من خيار سوى محاولة تحسين شروط وجوده فيها، من خلال «ركلجة» حصته الوزارية وتفعيل وزنها قدر الامكان.