قبل أن يحطَّ رحاله أمس في لبنان، زار المفوَّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي سوريا، حيث مكث ثلاثة أيام وعاين العودة المضطردة للنازحين الى منازلهم وبلادهم. وعلمت «الجمهورية» أنّ غراندي نقل إلى المسؤولين اللبنانيين انطباعَه الإيجابي عن زيارته للعاصمة السورية حيث لمس للمرة الأولى تطوّراً في الموقف السوري حول عودة النازحين وعلى صعيد التعاطي مع منظمات الأمم المتحدة، وذلك كان لافتاً بالنسبة إلى الزائر الدائم للشام.
لمَس غراندي لدى الجهات السورية إنفتاحاً أكبرَ في التعاطي مع المنظمات الدولية، وكذلك وجد ترحيباً بتواصل المنظمات مع النازحين العائدين ومعاينة أوضاعهم. وإستناداً إلى هذه الزيارة يبدو أنّ هناك تطوراً «متريّثاً» في موقف الأمم المتحدة حول عودة النازحين، وكأنه بدأ الحديث العملي والمقاربة الجدية لهذه العودة.
وقدّر غراندي موقفَ لبنان وإصرارَه على تأمين عودة النازحين وعدم ربطها بالحلّ السياسي أو أيّ ملفٍ آخر، وسمع من الجهات اللبنانية موقفاً موحداً يشدد على ضرورة نقل المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للنازحين من لبنان إلى الداخل السوري.
وإذ أوحى غراندي أنّ هذه المساعدات مرتبطة بتعاون النظام ومدى جديته، أكدت جهاتٌ لبنانية استعدادَها لتأمين ما هو مطلوب من الجهات السورية، خصوصاً بعدما تحدّث المفوض عن تصور معيّن لتأمين العودة سيتظهّر في حال توافقت الجهات المعنية عليه.
وأكدت جهات رسمية لبنانية أنها لمست بدورها تعاونَ دمشق، تماماً مثلما لاحظ غراندي التطور اللافت لدى الحكومة السورية، ولم يخفِ سعادته بنتائج زيارته لدمشق.
أمّا على المقلب اللبناني، فأكدت جهات رسمية لغراندي أنّ لبنان يربط ملف العودة بـ«العودة الآمنة» فقط لا غير، ويرفض ربطه بالحلّ السياسي ولا بالخدمة العسكرية الإجبارية ولا بسِنّ احتياط ولا بأيِّ قوانين. فسوريا بلادهم وكانوا يسكنونها ويعرفونها جيداً، وليس عملنا نحن كلبنانيين ربط عودة النازحين بأيِّ موضوع، فمَن يستطيع إلغاءَ الخدمة العسكرية الاجبارية مثلاً؟
هذه الخدمة موجودة منذ تكوين سوريا وهي موضوع سيادي لا يمكننا التدخل فيه، كذلك فإنّ السوريين المقيمين في بلادهم يؤدّون هذه الخدمة فلماذا يُستثنى منها النازحون أو مَن يعيشون في الخارج. هذا الموقف اللبناني لم يزعج غراندي بل اعتبر بدوره أنّ موضوع إلغاء الخدمة العسكرية من عدمها هو موضوع سوري سيادي.
إلى ذلك، استمع غراندي من الجهات اللبنانية الى الأفكار التي تعمل عليها بغية طمأنة النازح وتشجيعه على العودة. وفي هذا الإطار، قالت مصادر رسمية لـ«الجمهورية» إنّ التنسيق مع دمشق مستمر لتحقيق العودة، وهذه المرة العمل جدي وعملي وتقني وليس سياسيّاً فـ«نحن لا نناقش العلاقات اللبنانية ـ السورية، بل نعالج ملفاً سيادياً وهذا الأمر يتطلّب التواصل مع السوريين. فهل نحمّل لبنان ثمنَ خيارات الأفرقاء السياسيين؟ لبنان لا يتحمّل، ولا يمكن رهنُه في ملف النزوح بخيارات أحزاب».
وتتمسك هذه الجهات بـ«الأمل» في إمكانية تحقيق خرق على هذا الصعيد مستندة إلى واقعة أنّ النازحين الذين عادوا الى سوريا يحصلون على التأمين التعليمي والصحي والأمني ما يُشجّع مواطنيهم على العودة.
ووفق إحصاءات الـUNHCR فإنّ 89 في المئة من النازحين يرغبون العودة إنما هم خائفون، وفي هذا الإطار يُعمل على تحقيق إجماع وزاري حول ورقة لبنانية وطنية موحّدة تكون واقعية تفصيلية شاملة تتضمن أفكاراً وآليات، ولا تحمل عناوين فقط، بل يكون الجزء الأكبر منها تقنياً عملياً يُحدّد ما يمكن فعله واقعياً لتحقيق عودة النازحين وبناء الثقة لدى النازح ليتشجّع على العودة، وذلك عبر تعاون ثلاثي بين لبنان وسوريا والأمم المتحدة.