IMLebanon

هذا ما يَحدُث في كواليس «مؤتمر روما»

 

تشهد قضية تحديد موعد لانعقاد مؤتمر روما نوعاً من التجاذبات بين الشريكين الأوروبيَّين المعنيَّين به، أي إيطاليا البلد المستضيف، وفرنسا البلد الداعي اليه.

حسب المداولات التي جرت في كواليس التحضير لمؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني، فإنّ الخلفية التي تتحكّم برؤية ايطاليا لتحديد موعده تبدو تقنية، بمعنى انّ روما الذاهبة الى انتخابات تشريعية في 4 آذار المقبل، ترغب بتأخير عقد المؤتمر الذي ستستضيفه في بلدها خلال حزيران المقبل، ليكون في وسعها الإهتمام بالجانبين اللوجستي والسياسي المتعلّقين بمسار إنعقاده وبنتائجه السياسية.

لكنّ فرنسا مارست ضغطاً لعقده في أقرب فرصة، ومبدئياً نجحت في تحديد موعد النصف الأول من آذار، وتحديداً في 15 منه، ولكنّ هذا الموعد على رغم موافقة إيطاليا المبدئية عليه، يظلّ عرضة لاحتمال أن يطاوله تأجيل في اللحظة الأخيرة.

ومبدئياً يمكن القول مع شيء من الحذر إنّ التجاذب الإيطالي – الفرنسي حول تحديد موعد مؤتمر روما قد تجاوز عنق الزجاجة، علماً أنّ إنشغال الواقع السياسي الإيطالي بعقد إنتخاباته التشريعية في آذار المقبل، ينعكس شيئاً من الوهن على فعالية التنسيق بين المؤسسات الرسمية الايطالية المعنيّة بإنجاح هذا المؤتمر، وخصوصاً التنسيق المطلوب بين وزارتي الخارجية والدفاع، وكلتاهما على صلة مباشرة بأنشطة التحضير للمؤتمر الهادف الى تنسيق دعم سياسي، ومن ثمّ مالي دولي وإقليمي لدعم قدرات الجيش اللبناني وتلبية خطة قيادته الاستراتيجية عبر تزويده بالمعدات العسكرية والإمكانات والمنح التي تطلبها..
وثمّة خشية من أن يؤدّي ذهاب إيطاليا الى موعدي مؤتمر دعم الجيش اللبناني وانتخاباتها في وقت واحد الى التأثير سلباً في الإستعدادات اللوجستية للمؤتمر، غير أنّ باريس تتبرّع بالتكفّل بسدّ هذا النقص في حال بروزه، وذلك عبر نشاط يتّسم بالحماسة تبديه لإنجاح مؤتمر روما.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ قصر الايليزيه ومعه وزارة الدفاع الفرنسية يعملان على اتّجاهات عدة لإيصال مؤتمر روما الى خواتيم تؤدّي الى تزخيم الدعم الدولي، وضمنه الاوروبي، للجيش اللبناني والقوى الامنية اللبنانية الاخرى. ولكنّ هذه المساعي الفرنسية تصطدم بنوع من العقبات الأساسية الناتجة عن عوامل بعضها إسرائيلية، وأخرى أميركية، وثالثة إقليمية تتصل بحدة النزاع الدائر حالياً في المنطقة، وفي أساسه تعاظم التوتر على الجبهة الإسرائيلية ـ الإيرانية، وأيضاً على جبهة الخلافات الإقليمية الأخرى.

وأبرز جديد في الأفكار الفرنسية المطروحة للتصدي لتوجّهات دولية وإقليمية تحاول التحفّظ عن برنامج أعمال مؤتمر روما الهادف الى دعم الجيش اللبناني، تبرز محاولة الايليزيه لتوسيع دائرة الدول والجهات المانحة لمشروع تطوير قدرات المؤسسة العسكرية اللبنانية. وعلى هذا الصعيد تُدرَس فكرة أن ينضمّ الاتّحاد الاوروبي كمشارك في مؤتمر روما، وأن يتكفّل بالمساهمة عبر صناديقه المالية في تمويل مشاريع تسليح الجيش اللبناني.

وضمن هذا الاطار تبرز ملاحظة اساسية هي أنّ نوعية التحدّيات الامنية والعسكرية التي تشهدها المنطقة حالياً أرخت بظلالها على نوعية النقاش الدولي والإقليمي الدائر في مناسبة عقد مؤتمر روما، حول دعم الجيش اللبناني.

ويتبيّن حسبما تشير المعلومات المستقاة من داخل اروقة الكونغرس الاميركي، أنّ اللوبي الاسرائيلي نجح في إثارة اعتراضات على توجّهات باريس لجعل مؤتمر روما محطة مهمة في مسار الدعم الدولي لتطوير إمكانات الجيش اللبناني التسليحية.

وجرت غالبية هذه الاعتراضات تحت مبرّر أنّ تعاظم التكامل العسكري لكل من ايران و»حزب الله» في المنطقة، يحتّم التنبّه لإمكانية أن تصل الاسلحة المرسلة للجيش اللبناني الى «ايدٍ خاطئة»، والمقصود هنا «حزب الله».

واضح أنّ اسرائيل لا تريد لمؤتمر روما أن يدشّن مساراً أوروبياً لتسليح الجيش يكون موازياً للمسار الاميركي الذي يساهم حالياً في الجزء الأكبر من تسليحه، وتفضل تل ابيب أن يبقى المصدر الاميركي المورد الوحيد للسلاح لمصلحة المؤسسة العسكرية اللبنانية.

وخلال الأسبوعين الماضيين، بدا واضحاً أنّ إسرائيل تبالغ في افتعال المشكلات انطلاقاً من نفوذ لها داخل الكونغرس الاميركي، للتشويش على مؤتمر روما. ووصل هذا الأمر الى درجة أنّ إسرائيل عبر مناصرين لها في الكونغرس، حاولت استغلال وقائع تفصيلية داخلية جرت في لبنان، بغية تظهيرها على أنها تنمّ عن وجود ممارسات غير ديموقراطية ومنحازة لـ»حزب الله» تقوم بها داخل لبنان مؤسسات تابعة للجيش!!.

ورغم أنّ الإستجابة لهذا النوع من «الإفتعالات» ظلّت محدودة التأثير داخل الكونغرس، إلّا أنها اشارت للمرة الاولى الى وجود توجّه لدى بيئة متشاركة مع إسرائيل في الكونغرس للاضرار بمسار التأييد التقليدي المستمر الذي يمنحه الأخير كالعادة للمساعدات الأميركية للجيش اللبناني.

وفي مقابل الموقف الإسرائيلي، فإنّ باريس تتّجه لتمكين مؤتمر روما من إنشاء صلة بين التوجّه الدولي، وخصوصاً الأوروبي، لدعم الجيش اللبناني وبين تحدّيات حلّ النزاعات الدائرة حول الغاز في المتوسط، وبينها النزاع اللبناني ـ الإسرائيلي.

ومن الاقتراحات التي هي موضع درس الآن والمتصلة بهذا الملف، يبرز مقترح «إشراك الصندوق الأوروبي لدعم نشاط الدول في البحار»، كجهة مانحة لمشروع التسليح البحري للجيش اللبناني، وذلك انطلاقاً من حقّ لبنان في الدفاع عن سيادته على مياهه.

والواقع أنّ مجمل المعطيات الآنفة المحيطة بأجواء التشاورالدولي لعقد مؤتمر روما، تجعل من هذا المؤتمر الأخير محطة داخل المسار الدولي لدعم الجيش اللبناني، مختلفة عن المؤتمرات السابقة التي انعقدت للغاية نفسها. ويعود سبب تمايز مؤتمر روما الى عاملين اثنين أساسيّين، أولهما: أنّ إسرائيل تريد أن تربط أيّ اجندة دولية لدعم الجيش بمقايضات تلبّي ما تعتبره أنه يخصّ ضمانات لحاجاتها الامنية العليا على جبهتها الشمالية التي تشمل نشاط إيران و»حزب الله» في اقليم المشرق وليس فقط في لبنان.

وثانيهما، كون أوروبا ذات المصالح المتّصلة بمستقبل توريد غاز المتوسط المشرقي والمصري والقبرصي اليها، تعتبر أنه في حال حصل في مؤتمر روما ربط برنامج تسليح الجيش اللبناني بدوره في حماية اتّفاقات ترسيم حصص الغاز في المتوسط، فإنّ ذلك سيمنح اوروبا، وفي مقدّمها فرنسا، دوراً مهماً في هذه الحلول.