13 يوماً كانت حاسمة بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري، واكب الحراك الشعبي منذ لحظته، واضعاً نصب عينيه عبارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري “ما حدا أكبر من بلدو”. تلقّف حركة الشارع من اليوم الأول وتعامل مع الحراك بصفته حدثاً إستثنائياً لا سابق له في التاريخ السياسي للبلد. وبعد ساعات من الانتفاضة الشعبية وجّه رسالة إلى اللبنانيين تحاكي مطالب الناس وتعطي الطاقم السياسي المشارك في الحكومة مهلة 72 ساعة لوضع مجلس الوزراء على سكة العمل وإنجاز الموازنة والموافقة على بنود الورقة الإصلاحية. وبعد الموافقة على الورقة كرّس جهده لاجتماعات مفتوحة لوضع البنود موضع التنفيذ، سواء ما يتعلق بملف الكهرباء أو ملف العفو العام وسواه. وفي الوقت نفسه يراقب مواقف اللبنانيين واتّساع حجم الانتفاضة.
في اليوم الخامس للانتفاضة واجه الحريري موجة من الدعوات مصدرها قصر بعبدا، لعقد اجتماع استثنائي لمجلس الدفاع الاعلى واتخاذ إجراءات أمنية للتعامل مع الاعتصامات وإقفال الطرقات. وبحسب مصادر مواكبة لحركة الاتصالات اعتبر الحريري أن الحل الامني سيجرّ البلاد الى مواجهات يرفض توريط الجيش والقوى الامنية فيها. ورغم معارضته، تكرّرت المطالبة بالحلول الامنية وتَكرّر رفض الحريري لها على مدى أيام. ونتيجة تمسكه بالحل السياسي، تلقّى الحريري إشعاراً من قصر بعبدا، نقله إلى بيت الوسط اللواء عباس ابراهيم، وفيه تجاوب الرئيس ميشال عون مع اقتراح يقضي بإجراء تعديل حكومي يطال الوزير جبران باسيل ووزراء آخرين من مختلف الكتل، وافق الحريري على الاقتراح وشجّع ابراهيم على تسويقه، واعتبره نقلة نوعية قد تكون كافية لإحداث صدمة ايجابية في البلاد، لكن وفق المصادر نفسها لم يعش الاقتراح سوى ساعات قليلة وتبين أن “الجهة التي شجعت الرئيس عون على الاقتراح ضمّت ابنتيه كلودين وميراي عون من خلفهما النائب شامل روكز، ودخل جبران على الخط ونسف الاقتراح، واستبدله بمعادلة تقول “راس الحريري مقابل راس باسيل”.
لم ترق هذه المواقف للرئيس الحريري الذي لاحظ أن باسيل يعمل على تصعيد الموقف في وجه الشارع. وتوقفت المصادر عند المؤتمر الصحافي الذي عقده الأخير في بعبدا واعتبره الحريري “إشارة سلبية لسطوة جبران على رئيس الجمهورية، الامر الذي أثار استياء الحريري بمثل ما أثار حفيظة ابنتي الرئيس ونواب آخرين في تكتل لبنان القوي”.
كما أثار استياء الحريري محاولة باسيل القول إن التسوية التي تحققت هي بينه وبين الحريري، وكان الأخير حاسماً بتوجيه رسالة الى بعبدا تدحض هذا الادعاء وتشدد على أن “التسوية تمّت بين الرئيسين، وأن جبران كان مجرد أداة تنفيذ من أدواتها”. وبحسب المصادر وفي اليوم العاشر للانتفاضة الشعبية وفي ظل مشاهد الاعتداءات التي تعرضت لها ساحات الاعتصام، قرر الحريري إبلاغ جميع المعنيين بمن فيهم “التيار الوطني الحر” وقصر بعبدا و”حزب الله”، أنه يعطي نفسه 72 ساعة لاتخاذ القرار المناسب، وأنه في ذاك الحين لن يتحمل أي عمل يمكن أن يؤدي إلى إراقة الدماء واستخدام القوة في قمع المتظاهرين.
حلّت المهلة مع حلول اليوم الثالث عشر وأخذ الحريري قراره بعد أن استنفد كل الجهود والاتصالات لتغليب الحل السياسي وإحداث نقلة جدية بالوضع الحكومي كفيلة بسحب فتيل الانفجار من الشارع. كان هناك اصرار على فتح الطرقات قبل أي بحث سياسي، وإصرار على وضع معايير جديدة لتأليف الحكومة وجدها الحريري مدخلاً لحوار جديد من “حوارات الطرشان”.