IMLebanon

هذا ما كان نصرالله ليقوله للسعوديّة لو قرّر «خلع القفازات»  

حاول الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السير بين «الاحرف» «والكلمات» عندما كان يشرح خطورة الفكر التكفيري ومنابعه الفقهية، وحرص شكلا على تغطية غلاف الكتاب «المرجع» لهذه المجموعات التكفيرية عندما كان يستدل منه على انحراف هذا الفكر، كي لا يتسرب عنوانه عبر الشاشة، ويثير بذلك «الحساسيات»، وهو كان مدركا في المضمون حساسية معالجة هذه المعضلة من خلال منبر عاشورائي في اوضاع متوترة في البلاد، ومتفجرة في المحيط العربي والاسلامي. لكن وبحسب اوساط مقربة من حزب الله كان لا بد من وضع «الاصبع على الجرح» دون التعمق في تسمية الاشياء باسمائها علَّ «اللبيب من الاشارة يفهم».

فهو دعا الى الحوار مع هؤلاء رغم ادراكه استحالة استجابتهم للمنطق والعقل خصوصا انهم في خضم «غزوة» دينية، وللاسباب نفسها وضع المملكة العربية السعودية ضمن دائرة الدول القادرة على ضرب هذا النهج التكفيري ومحاربته، وحملها مسؤولية كبيرة في هذا الاطار، دون ان يضعها في خانة «الاتهام» المباشر بالمسؤولية عنه، وهو صادق في هذه الدعوة تؤكد الاوساط، ويرغب حقيقة في اي تعاون جدي، لكنه يدرك ايضا ان المملكة لا تزال تقوم بدور سلبي، ولا ترغب بالتعاون مع احد، فحتى حلفائها يتذمرون من «ازدواجيتها» في التعامل مع هذه المخاطر. 

وبرأي تلك الاوساط، فان رد فعل كتلة المستقبل «الببغائية» دفاعا عن جهود المملكة في مكافحة الارهاب ابلغ دليل على استمرار حالة «انكار» الواقع ورفض خطاب العقل ورفض التعاون مع رجل يعرف الكثير من حجم تورط السعوديين في دعم «التكفيريين»، لكنه رغم ذلك يريد منهم ان يكونوا شركاء لاستنقاذ ما يمكن انقاذه من وحدة اسلامية. فهل ثمة ظلم للسعودية حين تتهم بدعم الارهاب؟ وماذا كان للسيد نصرالله ان يقول لو «خلع القفازات» وتحدث بصراحة؟

بحسب الاوساط المقربة من حزب الله كان ليقول ان المشكلة الرئيسية في المملكة تكمن في اصرار هيئة كبار العلماء على رفض اجراء مراجعة جدية للمناهج الفكرية والدينية، فرغم ادانتها للارهاب واعتباره جريمة نكراء، رفضت هذه الهيئة في ختام دورتها الثمانين التي عقدت في الرياض قبل اسابيع ادخال اي تغيير في المناهج الدينية المتبعة في المملكة، وفي المقابل انتقدت «ما يتفوه به بعض الكتاب» من ربط أفكار الإرهاب بالمناهج التعليمية أو بمؤلفات «أهل العلم المعتبرة» كما استنكرت توظيف هذه الأحداث للنيل من ثوابت «الدولة المباركة» القائمة على عقيدة «السلف الصالح». ماذا يعني ذلك؟ يعني بوضوح ان الهيئة الدينية التي تتمتع بنفوذ هائل داخل المملكة ترفض بشكل قاطع اي مراجعة للمناهج الفكرية المسؤولة عن تخريج الالاف من الارهابيين. «ونقطة على آخر السطر».

وتلفت تلك الاوساط الى ان السيد نصرالله كان «متحفظا» جدا في مقاربته للدور السعودي، فهو لا يرغب في «سد ابواب» الحوار مع المملكة، ويدرك ان اي مراجعة سعودية جدية ستكون مقدمة لعلاقة من نوع آخر، وهو كان ببساطة شديدة قادر على تقديم سرد بسيط لما يقوله حلفاء المملكة عن دورها «التخريبي» دون الحاجة الى اي جهد شخصي منه لتقديم الدليل على ذلك. فاقرار نائب الرئيس الاميركي جون بايدن مؤخرا بدور حلفائه وفي مقدمتهم السعودية بدعم الارهابيين، لم يسقط من الذاكرة رغم اعتذاره الذي لا ينفي الحقيقة. وقبل فترة وجيزة نشرت وثائق ويكيليكس برقيات ورسائل السفراء الأميركيين الذين تحدثوا عن دور المال السعودي في دعم حركات مقاتلة من مثل «طالبان» و«القاعدة» وكان اشهرها وثيقة موقعة من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اكدت فيها ان هناك حاجة للقيام بجهود كبيرة لاقناع السعودية المترددة في التعاون من أجل وقف تدفق المال للمنظمات الإرهابية، واتضح ان كلينتون كانت دائما تشكو من مصاعب إقناع الرياض في التعامل مع الدعم المالي الخارج من أراضيها باعتباره أولوية إستراتيجية. وقبلها قال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي «لو تمكنت بطريقة أو بأخرى من «طقطقة» أصابعي وأقطع التمويل من بلد ما ، فسيكون المملكة العربية السعودية.

وفي الشواهد والدلائل الاكثر تعبيرا عن دور المملكة وبعض الدول الخليجية في دعم الارهاب تضيف الاوساط، ما قاله رئيس الاستخبارات الداخلية الفرنسية برنار سكاوارسيني في كتاب أصدره بعنوان «الاستخبارات الفرنسية رهانات جديدة» اشار فيه الى دعم قطر والسعودية للإرهاب في الشرق الأوسط ، وتناول هواجس الاستخبارات الغربية بعودة المئات من الأوروبيين المقاتلين في سوريا إلى بلادهم أحياء مركزا على الدور السعودي في إثارة الفوضى في العالم، وكان سكوارسيني شديد الوضوح عندما تحدث عن تلقي المجوعات الجهادية التي بايعت «القاعدة» في لبنان تمويلها بشكل أساسي من رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وهو ما ايده فيه إيف بوني الرئيس السابق للمخابرات الفرنسية حين اتهم قطر والسعودية بتمويل التكفيريين في سورية والجزائر وتونس ومالي.

لكن الكلام الاكثر وضوحا تقول الاوساط، ورد على لسان الجنرال جوناثان شو القائد السابق للقوات البريطانية في العراق ومساعد رئيس أركان الدفاع البريطاني في عام 2012، فهو قال صراحة، إن قطر والسعودية أنفقتا مليارات الدولارات على الترويج لتفسير متشدد للإسلام على نهج أصولي مستمد من الفكر الوهابي، وأضاف: «هذه قنبلة موقوتة، أشعلت العالم بعد أن نمت تحت ستار التعليم والوهابية السلفية بالدعم المالي السعودي والقطري الذي يجب أن يتوقف، وعندما يتعلق الأمر بشن صراع إيديولوجي يقول شو: «قطر والمملكة العربية السعودية دول محورية فجوهر المشكلة أن هاتان الدولتان هما الوحيدتان في العالم حيث الوهابية السلفية هي دين الدولة وداعش هو التعبير العنيف عن السلفية الوهابية».

وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط ان المشكلة الرئيسية مع المملكة العربية السعودية انها تبذل جهدا استثنائيا لمكافحة الإرهاب وتمويله داخل المملكة فقط، لكنها لا تبذل أي جهد حقيقي لمنع «تمويل الارهاب و التطرف العنيف في الخارج، وفي الخلاصة لا توجد شكوك في ان المملكة العربية السعودية جادة في محاربة التكفيريين داخل المملكة، لكنها غير جادة فيما يتعلق بالمال الذي يخرج من المملكة، والارقام تشير الى انها انفقت حتى الان نحو 200 مليار دولار خلال العقود الثلاثة الماضية لنشر الوهابية في العالم. فهل هكذا تتم مكافحة «الفكر الضال»؟

هذا جزء يسير مما يتحدث عنه اصدقاء المملكة، اما «خصومها» تقول الاوساط، فلديهم الكثير من الدلائل الحسية على تورطها في العراق وسوريا ولبنان، ويدرك القادة السعوديون ان السيد نصرالله يملك الكثير منها، ويدركون ايضا انه لو اراد اعتماد خطاب تصعيدي «مباشر» لما احتاج الى الكثير من الجهد لتأكيد مضمون كلامه، لكنه لا يرغب في ذلك وتجربة الحوار على الساحة اللبنانية انتجت حكومة «المصلحة الوطنية»، وفي هذا السياق لا يمانع حزب الله تطوير العلاقات رغم كل «ضيم» السياسات السعودية «الكيدية»، ولكن هذا الاستعداد ليس من موقع ضعف وانما من موقع القوي الذي تثبت الاحداث صحة رهاناته في العالم العربي، ويكفيه انه داخليا لا يحتاج الى «فحص دم» يومي لاثبات انه في مقدمة المدافعين عن السيادة الوطنية في مكافحة الارهاب، فيما حلفاء المملكة وفي مقدمتهم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري يجدون انفسهم في موقف حرج ويضطرون يوميا لدرء التهم عنهم عبر بيانات متلاحقة للتأكيد انهم ضد الارهاب ومع الجيش، ويضطر «التيار الازرق» الى فتح «هواء» اذاعة الشرق امام لبنانيين من الطائفة السنية للتعبيرعن حبهم وتضامنهم مع المؤسسة العسكرية، لكن وانسجاما مع سياسة توزيع الادوار بين رئيس «المستقبل» واعضاء كتلته، فضلت شاشة «المستقبل» دون سواها من المحطات اللبنانية برنامجاً للطهي على نقل مراسم تكريم النقيب الشهيد فراس الحكيم!!. فمن يصدق اللبنانيون الحريري ام خالد الضاهر؟ اذاعة الشرق ام تلفزيون المستقبل؟