IMLebanon

هذا ما استفزَّ البطريرك

انشغلت الساحةُ السياسية بالكلام عالي النبرة الذي أدلى به البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد رافضاً وضع سلّة شروط وتكبيل رئيس الجمهورية قبل إنتخابه، وردّ رئيسُ مجلس النوّاب نبيه بري عليه، ما فتح الأفق على حلقة نقاشات تحمّي المبادرات الرئاسية الصامتة.

لم يكن البطريرك الراعي ليصل الى هذا المستوى من النبرة العالية لو لم يشعر بما يشبه المؤامرة على الإستحقاق الرئاسي، لأنه كلما فُتحت ثغرة، يقفَل الباب في وجهها بوضع سلسلة شروط تكاد لا تنتهي.

والأخطر من كلّ هذا، هو ما شعرت به البطريركية المارونية من خطر على موقع الرئاسة الأولى، تخطّى الأسماء والأشخاص ليصل الى ضرب الموقع وحصر عهد أيّ رئيس مقبل بشروط تجعل صلاحياته أقلّ من وزير عادي، تلك الشروط تدلّ على إستخفاف بمواقع المسيحيين في الدولة وسط التهميش المستمرّ والقضم المتتالي للمراكز والدور الذي يُفترض أن يكون للمسيحيين.

وفي هذا الإطار، أكّدت أوساط البطريركية المارونية لـ«الجمهورية» أنّ «الراعي لم يقصد أن يهاجم أحداً أو يردّ على أيّ مكوّن سياسي، بلّ إنّ الطريقة التي طُرحت بها الأمور استفزّت البطريركية، وظهر كأنّ رئيسَ الجمهورية شخصٌ غيرُ ناضج ولا يستطيع أن يحكم إذا لم نرسم له خريطة طريق». وسألت الأوساط: «هل يقبلون أن تُفرض قبل تسمية رئيس حكومة أو إنتخاب رئيس مجلس نوّاب سلّة شروط؟ ألا يُعتبر ذلك حسب رأيهم مسّاً بالمواقع وبالطائفة».

وأكّدت الأوساط أنّ «ما دفع الراعي الى اتخاذ مثل هكذا موقف هو الأعمال المتتالية من الفريق نفسه والتي كانت ستضرب الوجود المسيحي في الدولة، فمن التعينات في الوزارات وإستبدال الموظفين المسيحيين، الى خنق جهاز أمن الدولة وصولاً الى الإعتداء على أملاك البطريركيّة في لاسا ومحاولة سلب مشاعات العاقورة، حتّى أتت الشروط على رئيس الجمهورية المقبل لتفجّر غضب البطريرك وتدفعه الى اتخاذ هذا الموقف».

وشدّدت الأوساط على أنّ «رئيس الجمهورية يجب أن يُنتخب ويحكم وفق الدستور وضميره، والموقف الذي أطلقه الراعي لا يهدف الى دعم

مرشّح على حساب آخر، بلّ إنّ الراعي متخوّفٌ من تكريس عرف يطرحه أيٌّ كان عند حلول موعد إنتخاب الرئيس، فالرئيس هو الحاكم والحكم ولا ياتي الى قصر بعبدا ليطبّق رغبات بقية الأفرقاء».

وأشارت الأوساط الى أنّ «الراعي يرفض رفضاً قاطعاً إنتزاعَ أهمّ صلاحية باقية للرئيس بعد إتفاق «الطائف» وهي التوقيع على تأليف الحكومة، حيث لا تُؤلَّف حكومة من دون إمضاء رئيس الجمهورية، فهل كلّ تلك الشروط مقدّمة لجعل الرئيس «خيال صحرا» وصورة تعلّق على حيطان المؤسسات العامة، وإفشاله قبل إنتخابه».

وأكّدت المصادر أنّ «بكركي التي وافقت على معايير لإنتخاب الرئيس ومن ضمنها أن يكون رئيساً قوياً، لن تقبل بان تُسلخ منه صلاحياته، وعندها لا يعود هناك من فرق بين رئيس يتمتّع بصفة تمثيلية وآخر لا تمثيل له».

على رغم التفاؤل الذي أثارته مبادرة الرئيس سعد الحريري وإمكان قبوله بترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للرئاسة، إلاّ أنّ بكركي تبدي تخوّفها من بعض النوايا غير الصادقة، خصوصاً أنّ القوى السياسية دعت سابقاً الى اتفاق القيادات المارونية، وعندما وُقّعت ورقةُ التفاهم بين «القوّات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» لم يتفاعل أحد مع تقارب أكبر قوّتين مسيحيتين، بل إعتبروا الأمر ربما تكتلاً مسيحياً أثار ريبتهم.

تتطلّع بكركي الى حراك الرئيس الحريري، وهي كانت لا ترغب في الإنزلاق الى صدام مع أحد، لكنّ تطوّر منطق الأمور فرض موقف الراعي الذي أتى حادّاً رافضاً المساومة على كرامة أيّ مرشّح للرئاسة مهما كان اسمه، من هنا، تدعو بكركي الأفرقاء السياسيين الى التجاوب مع أيّ مبادرة جدّية لأنّ الجمهورية أهمّ من تقاسم الحصص والمغانم، علماً أنّ المسيحيين حُرموا طيلة الفترة الماضية من المشاركة في الحكم، فيما الدولة تغرق أكثر واكثر في الفساد والسرقات ويصيب الانهيار المؤسسات كافة.